عصام الطائي
هناك مشكلة عبر التاريخ الانساني تبدو واضحة من خلال الانتفاضات والثورات التي تقوم من قبل الشعوب ضد الطغاة فاما تصاب تلك الانتفاضات والثورات بالخيبة والفشل من خلال القضاء عليها او اذا ما انتصرت أي ثورة سوف لا يستلمها من ضحى من اجلها بل قد يصعد المتسلق والانتهازي او قد تنحرف تلك الثورات عن مسارها الصحيح من خلال ان تتحول الى صناعة مستبد جديد او ان كثيرا من تلك القيادات التي تتسلم الحكم لا تمثل مستوى الطموح لدى الكثير من الاطراف وهذا ما يكون واضحا في اغلب من استلم الحكم من خلال ما حصل من تغيير في واقعنا الحالي ، ويبدو ان المشكلة هي مشكلة انسانية من ان العدالة لم تتحقق بالصورة المطلوبة ويبقى الناس ضحية المظالم وبذلك يبقى امل أي شخص بالتغيير نسبي ومحدود وضئيل وان القيادي الواقعي هو الذي يمكن ان يترك الاثر الايجابي وبتراكم تلك الايجابيات من قبل الجميع يمكن ان تتحقق كثير من المكتسبات الا ان الاصرار على افق معين لا يمكن ان يحقق أي مكتسبات فتكون الخسارة للجميع. والذي ينظر نظرة فاحصة الى دول ما يسمى بالربيع العربي يجد عشرات الاشكاليات والتناقضا ت ففي تونس كان اقتراح رئيس الوزراء التونسي في المطالبة بحكومة كفاءات الا ان موقف قادة حركة النهضة قد رفضت مثل هذا المقترح فيصرح راشد الغنوشي بان هذا الاقتراح يخالف الانتخابات والشرعية فهو انقلاب على الشرعية بينما هناك قبول من كثير من قوى المعارضة على هذا المقترح ولو ان رأي راشد الغنوشي له وجهة نظر الا ان السياسة تحتاج الى التنازل لتتحقق كثير من المكتسبات الضرورية والا الثبات على موقف معين حتى لو كان الرأي واقعي تبقى المشاكل والازمات عالقة. وفي مصر نجد تشكيل جبهة الانقاذ وموقفها الذي قد يعبر عن انعدام الرؤية الواقعية جعل الامور تزداد سوءا اضافة الى المواقف المتزمتة من قبل جماعة الاخوان يجعل خسران الشعب المصري اكثر واكثر يوم بعد يوم، بينما كان من الضروري التنازل من قبل الطرفين ليتحقق الاصلاح السياسي ولتحقق كثير من المكتسبات فان لكل ذهنية سياسية قيود واغلال تجعل من الصعوبة من حصول عملية التوافق بين الحكومة والمعارضة وبذلك تفقد الثورة كثير من المكتسبات التي كان الشعب المصري يتنظرها ويفقد ثقته بالجميع، فالشعوب قد تكون اذكى من الحكام او أي معارضة لان الحكومة والمعارضة تكون خاضعة لاجندتها السياسية والعقائدية ومصالحها الشخصية والحزبية مما يجعلها تتخلف وتتاخر عن ركب الشعوب المتعطشة للاصلاح . ونجد المشهد الاخر في اليمن اذ توجد جملة من الاجندات الاقليمية وضغوطات القوى المضادة للنظام السابق من عدم حصول الشعب اليمني على المكتسبات فقد نجد طرف يدعي حصول مكتسبات واضحة الا ان طرف اخر يدعي خلاف ذلك ولكن لو دقق في الامر نجد الخلل يكمن في اغلب الاطراف ولا يعود لطرف دون طرف وبهذا تجد الشعوب تفقد ثقتها باي تغيير لانه سوف يخرجها من مشكلة ويوقعها في مشاكل وازمات اكثر واكثر وكذلك يكون تاثير طبيعة عقلية قوى المعارضة ومدى النضج السياسي للقوى السياسية التاثير على مجرى الاحداث بينما لو تحصل توافقات لامكن تحقيق كثير من المكتسبات الا ان الاصرار على امر ما مع عدم التنازل قد يوقع الضرر للجميع. وفي ليبيا قدد تتحقق الاهداف ببطىء لوجود جملة من التحديات على الساحة الليبية فمن جهة تأثيرات القوى المضادة للثورة من قبل جماعة القذافي ومن جهة تصاعد التيار السلفي المتشدد وتمسك كثير من القوى الفاعلة بحمل السلاح وتأثيرات العقلية القبلية التي لها طموحات متفاوتة، اضافة الى طبيعة عقلية القوى الحزبية الفاعلة التي تتسلم زمام المبادرة في العملية السياسية يجعل صعوبة تحقيق المكتسبات بصورة واضحة لوجود التناقضات بين اغلب الاطراف. ونجد في العراق الذي حصل فيه التغيير قبل حركة التغيير في دول الربيع العربي فمن جهة هناك تاثير قوى لها ميول قومية شديدة تريد تحقيق اهداف قوميتها ولو على حساب غيرها وقوى طائفية ترفض اي قيادة شيعية ولو انها تدعي ظاهرا بانها تريد الاصلاح الا ان التعصب المذهبي هو المحرك الفاعل لها فلو كانت الحكومة على وجه الغالب توافق طائفتها لما قامت باي مظاهرات او اعتصامات فالطابع المذهبي يبدو واضحا باعتباره المحرك الاساس ومع وجود احقية لهم بجملة من المطالب لوجود مظالم الا ان الشعارات تثبت بوجود ابعاد طائفية في تلك التحركات هذا اضافة الى الدور الاقليمي من قبل تركيا وقطر من احدى اسباب تاجيج المظاهرات ومن جهة اخرى نجد الحكومة لم تستطع معالجة جملة من القضايا الضرورية ومن اهمها ملفات الفساد والاخفاق في عملية التنمية لذلك نجد التقصير في كل الاطراف السياسية مما يجعل عدم تحقيق المكتسبات وبالتالي فقد الشعب ثقته باغلب الاطراف في العملية السياسية. ومن جهة اخرى نجد المشكلة السورية بين السلطة التي رفضت تقبل أي تغيير ضروري في بداية المظاهرات واصرت على الحل الامني، اضافة الى ان المعارضة قد ارتطبت بقوى اقليمية واضحت تكون تابعة لها مما ادى الى خراب سوريا نتيجة الاعتماد على اسلوب العنف في التغيير وتتحمل السلطة وقوى المعارضة والقوى الاقليمية والدولية كل هذه المآسي وان الشعب السوري هو المتضرر الاكبر وهناك قوى بشتى اشكالها تريد تحقيق اجندتها على حساب دماء وجراح الشعب السوري. وافضل تجربة سياسية يمكن ان تنفع أي قوى سياسية سواء اكانت تمثل السلطة او المعارضة او القوى الشبابية فهي تجربة الامام علي (ع) فحين اعطيت الخلافة لغيره كان الامام علي (ع) يمثل الموقف المسدد فهو كان يقدم الارشادات والنصائح للخلفاء مع المشاركة معهم في كثير من الفعليات كالمعارك والقضاء لانه كان عنده مصلحة الرسالة اهم من أي حكم او منصب وهكذا نجد موقف ائمة اهل البيت عليهم السلام فقد كانوا يقدمون النصائح للحكام من بني امية مع الاختلاف الواضح معهم في القضايا التي تشكل الخطر على الوجود الاسلامي أي كان عندهم مصلحة الرسالة والحفاظ على الوجود الاسلامي اهم من أي شيء اخر، الا ان اغلب السياسيين المعاصرين سواء اكانوا على مستوى السلطة او المعارضة يجعلون امور اخرى هي الاهم باعتقادهم مما يسبب عدم تحقيق المكتسبات. يقول احد ائمة اهل البيت (ع): ( لاصلاح حالة التعايش ثلثي تغافل وثلث فطنة ) أي ان هناك مساحة واسعة ضرورية للتسامح من اجل تحقيق اهداف عليا ويمكن الاتفاق على كثير من المشتركات لاجل الديمومة والاستمرار في اتمام أي عملية سياسية الا ان الاختلاف في كثير من الجزئيات يجعل الاختلاف شديدا فلو ان هناك توافق معين يمكن ان يحمي الامة من الانقسام والاقتتال فيكون التوافق على المشتركات عنصر مشترك يخدم كثير من الاطراف وبذلك تتضيق دائرة الاختلافات مما يحقيق كثيرا من المكتسبات، نعم الامور المهمة لا يمكن التهاون بها ويجب عدم التنازل عليها والتي عبرت عنها الرواية بالفطنة. والنتيجة التي نتوصل اليها ان الخلل يكمن في اكثر من طرف ولا يقتصر على طرف دون اخر فهناك العقليات المتناقضة فيما بينها بصورة حادة لا تتوافق على كثير من المشتركات وكذلك الاهواء والرغبات والمصالح الشخصية والحزبية والقومية والعشائرية والمذهبية وكذلك الاجندات الخارجية وضعف كثير من المؤسسات الدينية، كلها امور تمنع من تحقيق المكتسبات للشعوب وتكون الضحية الشعوب نفسها، علما ان نفس الشعوب لا تخلو من كثير من التقصيرات والاخطاء والانحرافات فالجميع مشارك في الاخفاق. ومن هنا تبدو قضية ظهور الامام المهدي (ع) ضرورية وحتمية لانقاذ الامة من كل هذه التناقضات الذي يقف الجميع عاجزين من معالجة كل هذه التناقضات ولا تقتصر التناقضات على العالم العربي والاسلامي فهناك المشكلة لها ابعاد انسانية فيوم بعد يوم تزداد التناقضات والمشاكل والازمات بالاخص من الناحية الاقتصادية بسبب طبيعة النظام الاقتصادي العالمي المعتمد على الربا، اضافة الى الخلل في كثير من الجوانب الاخرى فيكون الامام المهدي هو منقذ جميع البشرية بعدما ملئت الارض ظلما وجورا لتملأ الارض قسطا وعدلا فليس قضية الامام المهدي (ع) كونها تخص طائفة دون اخرى او ملة دون اخرى بل تشمل جميع الامم وهذا ما يتمناه ويحلم به الكثير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق