عاطف الغمري
مع اقتراب موعد زيارة الرئيس أوباما إلى الشرق الأوسط، في شهر مارس/آذار المقبل، تخرج من واشنطن رسائل متناقضة، فهي تحمل المعنى ونقيضه، في وقت واحد، حين تتحدث عن أهدافه من الزيارة، والقضايا التي سيناقشها، أثناء زيارته “إسرائيل”، والضفة الغربية، والأردن، مع توقعات بأن تشمل الرحلة مصر، والسعودية، وتركيا، وإن لم يؤكدها البيت الأبيض.
يفسر بعض الخبراء الأمريكيين هذا التناقض، بأنه ناشئ في جانب منه، عن حالة عدم اليقين التي تنتاب إدارة أوباما، تجاه الأحداث في الدول العربية، بعكس الحال عبر عشرات السنين الماضية، عندما كانت الولايات المتحدة، على معرفة كاملة باتجاهات الأحداث.
تظهر هذه التناقضات، فيما صرح به المتحدث الصحفي بالبيت الأبيض، جاي كارني، من أن أوباما لا ينوي تقديم مقترحات جديدة، لتحريك عملية السلام المتعثرة بين “إسرائيل” والفلسطينيين، وأن البيت الأبيض لا يرغب في تقديم آمال زائفة، بشأن انفراجة متوقعة لمحادثات السلام، أثناء الزيارة .
بينما جاءت تقديرات أخرى لخبراء مختصين بالشرق الأوسط، تقول: إن زيارة أوباما ستكون اختباراً له، لإثبات قدرته على تحريك عملية السلام، بعد فشله في ولايته الأولى، في تحقيق مشروعه لحل الدولتين الذي تجمد بسبب تحدي نتنياهو أوباما .
ويرتبط بذلك توصيات، من عدد من مراكز الفكر السياسي، تنصح أوباما بضرورة إجراء تغيير جوهري في سياساته، خاصة تجاه النزاع بين “إسرائيل” والفلسطينيين، وإلا خسرت أمريكا، ما تبقى من صدقيتها في نظر شعوب المنطقة.
وبين هذه التناقضات، كان التساؤل - حتى بين المختصين بالشرق الأوسط في واشنطن - إذاً، ما هو هدف أوباما من هذه الزيارة؟ كانت هناك مؤشرات تقدم إجابة عن السؤال منها:
1- وصف روبرت ويكسلر عضو الكونغرس، الزيارة، بأنها ستكون عن العلاقات الأمريكية “الإسرائيلية”، مع تركيز على توقيع اتفاق أمني بين البلدين، والتشاور في تحرك إيران لامتلاك السلاح النووي، والأحداث الجارية داخل سوريا، وبالتالي فإن هذه المسائل تتخطى في الأهمية النزاع “الإسرائيلي” الفلسطيني .
2- تحدثت مصادر “إسرائيلية” عن اهتمام أوباما، بالعمل على استئناف المفاوضات، بين “إسرائيل” والفلسطينيين، حتى لو اقتصرت نتائجها على الحد من موجات انتقاد “إسرائيل” في المحافل الدولية، وأن تبدو واشنطن، وكأنها تستأنف دورها في عملية مفاوضات السلام، من دون سلام .
3- ذكرت دوائر “إسرائيلية” أن هناك اتفاقاً بين الأمريكيين و”الإسرائيليين”، على الدفع بفكرة تجميد جزئي للاستيطان، مقابل وعد من الفلسطينيين، بتأجيل خططهم للجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية، بشكاوى ضد ممارسات “إسرائيل” في الأراضي المحتلة، وهو الإجراء الذي أصبح حقاً للسلطة الفلسطينية، بعد الحصول على عضوية الأمم المتحدة أخيراً .
4- ما قدمه خبراء “إسرائيليون” من تفسيرات للأجواء المتوقعة للزيارة، تستبعد أي دور أمريكي حقيقي، منهم دور غولد مندوب “إسرائيل” السابق في الأمم المتحدة، والمرشح حالياً ليكون كبير مستشاري نتنياهو، في حكومته الجديدة. وقال: إن هناك الآن ربيعاً عربياً، وحكومات معظمها مشغول بالاستقرار الداخلي، وبالتالي لا نستطيع اليوم أن نقدم مقترحات، سبق تقديمها منذ 15 عاماً، عندما كان الشرق الأوسط، مختلفاً تماماً عما هو اليوم. ويتفق هذا الاتجاه، مع ما ذكره روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لمعهد واشنطن للشرق الأدنى -الذى يعبر عن وجهات نظر “إسرائيل” - من أن الزيارة ستكون مختلفة عن زيارة أوباما الأولى للمنطقة العام ،2009 وخطابه أمام جامعة القاهرة . وكان بعض مساعدي أوباما قد كشفوا عن جانب مما كان يدور في مناقشات أوباما مع مساعديه في جلسات مجلس الأمن القومي. فقد لاحظوا أن الكثير من أسئلة أوباما كانت تدور عن قدرة الولايات المتحدة، على التحكم في مسار الأحداث، في أماكن مثل سوريا، أو مالي، أو كوريا الشمالية، وأنهم لمسوا منه إدراكاً لحدود قدرة أمريكا ونفوذها، في التحكم في الأحداث، بالمقارنة بما كان عليه الحال قبل أربع سنوات، وهو ما جذب اهتمامه نحو قضايا أخرى، غير النزاع “الإسرائيلي” الفلسطيني.
وان خبراء قريبين من البيت الأبيض، نصحوا أوباما بالاهتمام بقضايا الشرق الأوسط الذي سيظل منطقة حيوية للمصالح الأمريكية، وذلك على ضوء ما ظهر من توجه في الاستراتيجية الأمريكية، لتوسيع الاهتمام بمنطقة آسيا/ الباسفيك، والتي وصفتها هيلاري كلينتون بأنها ستكون قاطرة السياسات العالمية في السنوات المقبلة، وألا يكون الاتجاه نحو آسيا، على حساب الشرق الأوسط، وقضاياه .كانت هذه النقاط مثارة في مناقشات أوباما مع مساعديه، قبيل بدء زيارته إلى الشرق الأوسط، وفي إطار صياغة متكاملة لاستراتيجية السياسة الخارجية لولايته الثانية، تتعامل مع العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط . لكن يبقى السؤال: ما هو العنصر الأساس، الذي يفرض، إحداث تغيير في السياسة الأمريكية، في ما يتعلق بالشرق الأوسط، على ضوء الزيارة المقبلة لأوباما؟
هناك جانبان مهمان: الأول تقليدي وثابت، في حسابات الرؤساء الأمريكيين عامة، وهو ما كانوا يسمونه في وزارة الخارجية الأمريكية، عنصر السكون العربي. فالسياسة الخارجية هناك تحكمها حسابات السياسة الداخلية، وخريطة حركة القوى المؤثرة والضاغطة على صناعة القرار. وفي نطاق هذه الخريطة يوجد دائماً الضغط اليهودي النشط، يقابله السكون العربي، الذي تنقصه المبادرة بداية، ورد الفعل اللاحق لأي قرار للسياسة الأمريكية، ومن ثم لا يجد الرئيس الأمريكي أمامه، ما يدعوه إلى تغيير السياسة المتبعة. الجانب الثاني، أنه بعد ثورة 25 يناير في مصر، وما كان متوقعاً لها من تأثيرات إقليمية، فقد ظهر تيار قوي في أمريكا، يدعو إلى تغيير سياستها في المنطقة، وخاصة أسلوب التعامل مع المشكلة الفلسطينية. وكانت تقديراتهم مبنية على احتمال نجاح الحكم الجديد في مصر، في بلورة ستراتيجية متكاملة للسياسة الخارجية تتضمن تحديداً واضحاً لأولويات الحكم، وحشد قدراته المؤثرة، ثم احتمال صياغة استراتيجية أمن قومي عربية. وذلك من منظور فهمهم للسياسة الخارجية، بأنها عملية تبادلية، يحكمها مبدأ توازن القوى . . لكن أياً من هذين الاحتمالين لم يتحقق . وبالتالي يظل السلوك الأمريكي على حاله، طالما لم يجد أمامه ما يدفعه إلى التغيير.
لهذا تبدو زيارة أوباما، وكأنها تزيح جانباً، حل القضية الفلسطينية، وتميل ناحية ما يتفق مع وجهة النظر “الإسرائيلية”، من دون تغيير أساس، في الحالة السلبية التي سيطرت على سياسة الولاية الأولى لأوباما .http://www.beladitoday.com/?iraq=ما-الذي-يحمله-أوباما-في-زيارته-إلى-المنطقة؟&aa=news&id22=3326
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق