تعد القاصة إيناس البدران من الأسماء الراسخة والمؤثرة في المشهد الثقافي والادبي ، كمنجز ابداعي ، في مجا ل كتابة القصة والمقالة، وكمسؤولية ادارية في ادارة الروابط الثقافية ، كما في منتدى نازك الملائكة ( من فروع الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق ) وهي تنفتح على ملفات ثقافية ابداعية من خلال اقامة الندوات أو المسابقات الثقافية وتسليطها الضوء على الكثير من الاديبات وهن يتلمسن درب الحياة الثقافية وتعلم الأبجدية الأولى للأدب ، في ظل ظروف ندرك صعوبة الصراع الفكري فيها ونحن نواجه حوارات ربما متقاطعة .. فما بالنا حين تتصدى المرأة لهذا أو ذاك الصراع .. قريبا من عوالمها ، دخلت فضاءات إيناس البدران ليتعرف معي القاريء هواجس هذا الحوار .
الازمات والحروب والكوارث التي اجتاحت اوربا انعكست على حركاتها الادبية والفنية واطلقت ثورات وتغيرات عدة في هذا النحو، وكان لهذه الحركات أثر في تدوين شيء مجدد في الأدب، هل ترين ان الأدب حقق ثورة بعد ان مر العراق بأزمات مشابهة تقريبا؟
- لا شك ان ماحل بالعراق من ازمات انعكس بصورة او اخرى على ما قدمه الاديب من منجز فالكاتب عموما يظل شاهدا ابداعيا ومرآة لعصره حتى وان كتب بذاتية خالصة ، في الوقت ذاته لا نستطيع اغفال حقيقة مفادها ان العالم قد تحول تدريجيا بفضل التكنولوجيا وسرعة التواصل عبر الشبكة العنكبوتية الى قرية صغيرة فالتأثر بما يجري حولنا من تحولات وتغيرات على مختلف الصعد امر وارد حتى في الادب مع مراعاة الخصوصية ونبضات النص المحلية المستمدة من جذر المجتمع وعمقه التاريخي والميثولوجي ، فالاشجار تعلو بجذورها ، بعيدا عن النظرة الضيقة والتعصب الممجوج والانحياز الاعمى فكل هذه من شأنها ابعاد الادب عن هدفه الاسمى وثيماته الانسانية التي تتجاوز حدود الزمان والمكان .
ولعل التقليلية والتقارب بين الالوان الادبية والتنافذ الاجناسي من سمات المرحلة وما يسمح به التماهي الواعي .. يمكن عدها كلها نتيجة للمتغيرات التي حصلت ، كقصيدة النثر والقصة القصيرة جدا والنص المفتوح للالوان الادبية والتنافذ الخلاق بين عوالمها والميل الى الفضاء المفتوح الذي يتسع للمغامرة والتجريب والابتكار حيث امتزاج السينما والتشكيل والشعر والمسرح والسرد في فضاء النص والانفتاح على رؤى واسعة تتيح التحليق في مديات اغنى وارحب ما يستدعي بعدا فلسفيا وعمقا رؤيويا معرفيا الى جانب الثقافة النقدية الذاتية او ما يدعى بنقد الادباء .
ـ في كثير من الأحيان ترجح كتابات المرأة الى الذات الأنثوية ، هل هي ذات الأنا ، وكيف تتعاملين معها كقاصة؟
- للمرأة عوالمها و معاناتها الخاصة بقضاياها واهتماماتها ، ومع ذلك لا نستطيع تقسيم الادب الى نسوي وذكوري انما على وفق المعايير الابداعية الفنية الجمالية والانسانية بما يعكس قدرة الكاتب او الكاتبة على استنطاق النص واستخراج المخزون وتطوير الادوات والتقنيات بما يصب في المحصلة النهائية في مصلحة العمل الادبي.
- كيف تنظرين الى موضوعة تحرر المرأة في الشرق ، وهل لها علاقة بالأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية ؟ وهل أنعكس على المشهد الثقافي ؟
- على الرغم من غياب (الرقيب القديم) مازال الكاتب يستشعر وطأة الرقيب الداخلي متمثلا بقول البردوني ( غادرت سجني .. وظل السجن في داخلي ) هذا اذا كان الكاتب قد غادر فعلا سجن الرقيب ، ما يفسر الصعوبات المضاعفة التي تعترض مسار الكاتبة التي ترفض الوقوع في شرك الصورة النمطية المرسومة لها من قبل مجتمع ذكوري يمنحها الحماية ظاهريا وبالمقابل يطلب منها ان تبقي فمها مغلقا .
وحين يرتبط الامر بالكتابة النسوية يجد الكثيرون في هذا فرصة للتحديق والتلصص على عوالمها السرية رابطين غالبا بين الكاتبة وما تكتب ، ناسبين اليها تفاصيل الحياة السرية لبطلاتها وابطالها او ما يحمله النص من جرأة في طرح قضايا مازالت تبحث عن حل واخرى مسكوت عنها الامر الذي تجد فيه العديد من الكاتبات الجادات حرجا .. هكذا تجد الكاتبة نفسها مسورة بالتابوات واللاءات والاسلاك الشائكة ما يحد بالنتيجة من عفوية وانسيابية النص ، لتظل كتاباتها محكومة بذاك الرقيب الداخلي فتكتب احيانا لا شعوريا ما يرضي الطرف الاخر لا ما تود هي ايصاله ، ما يجعل من كتاباتها متعثرة خجلى غريبة عن ذاتها يصعب على المتلقي التفاعل معها. بالمقابل قد تسقط بعض الكاتبات في فخ الادب الامتاعي المثير او الاستفزازي (الاسترجالي) كنوع من التحدي لمجتمع استعاض عن وأد البنات بوأد الانفس ، او ربما لاعتقاد بعض الطارئات منهن على الوسط الادبي انهن بهذا يحرقن المسافات ويختصرن الزمن وصولا للشهرة ولفت النظر.
بين القصة أو الأدب بشكله الثقافي العام ، والنقد ثمة مد وجزر، هل الناقد يمارس دور الرقابة على الكاتب أم أنه مكتشف أخر للنص ؟
في الادب لاتستطيع ان تقول شيئا الا اذا كان لديك شيئا تقوله، ولعل القراءة الايجابية او الجزء اللامرئي من الكتابة هي التي تمكن القاص والروائي من ممارسة دور النحلة في الطواف على منابع الرؤية وحقول الفنون والثقافة وبالتالي انتاج عمله الخاص به عبر اعادة انتاج المقروء من منظوره وعبر رؤاه بما يفتح افاقا جديدة ويحرر المقروء من حدوده المعروفة المفترضة ، متسلحا بما يدعوه اليوت بالنقد الخلاق والاصيل النابع من وعي وثقافة الروائي . اما النقد فهو نص مواز ومواكب للنص المقروء اذ يمكن ان يكون نصا ثانيا محايثا للنص الاول ، هذا النوع من الكتابة يزدهر امام النصوص الغنية بالايحاءات التي تحيل الى التأويل والتأويل المضاد ، وبالإحالات والرموز التي تثير حراكا من نوع ما، ناهيك عن غبار الاسئلة. وفي وسطنا الثقافي لا تكاد تخلو الساحة النقدية ممن نصب نفسه حكما يحتسب على النقاد ليلعب دور المعلم والموجه وهو امر تجاوزه النقد منذ عقود .
هناك هجرة معاكسة شهدها المشهد الثقافي العراقي ، في حين كان الأمل غير ذلك ، الى أي مدى تأثر الواقع الثقافي بهذه الهجرة؟
الادب العراقي بلا شك ينتشر بالعديد من بلدان العالم ويستقطب الاهتمام ويحصد الجوائز ، ولدينا اقلام عراقية مبدعة استوطنت الغربة والمنافي البعيدة وهو ما انعكس جليا على نتاجاتها رغم ارتباطها بحبل سري بالوطن الام ، وهنا لا بد من الاشارة الى مسألة حيوية لا يستطيع اي ابداع ان يحلّق بجناحيه دونها الا وهي الحرية ..
الرئة التي يتنفس من خلالها المبدعون في كل زمان ومكان ، من هنا جاءت الغربة التي يستشعرها الاديب في وطنه ، ففي الغربة يستطع الكاتب ان يقول ما يود قوله دون خوف او وجل لتمتعه بمساحة لا محدودة من الحرية كما ان بمقدوره ان يعيش مما يكتب في حين يمكن للأديب "في وطنه" ان يفقد حياته بسبب ما يكتب والفرق جلي بين الاثنين.
ويذكر أن إيناس البدران قاصة وروائية ، وحاصلة على بكالوريوس آداب انكليزي، عضو الاتحاد العام للادباء والكتاب، و عضو نقابة الصحفيين صدر لها قصة(عيون النمرة)و(افاق التربية الحديثة)ورواية(حب في زمن الحرب)وقصة مترجمة لاليسن وركن(العولمة)1985. والمجموعة القصصية "الليلة الأولى بعد الألف"ومجاميع أخرى ( بنات آل السلطان وأنعكاسات امرأة ) وكذلك لديها تراجم عن الانكلزية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق