تحيلني تصرفات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في تعامله مع أزمة ميدان تقسيم، إلى الأسلوب نفسه الذي مارسه بعض الرؤساء العرب الذين أطاحت بهم شعوبهم في احتجاجات عارمة بدت للوهلة الأولى مجرد حدث عابر، ثم ما لبثت أن تحولت فجأة إلى إعصار اقتلع أنظمة حكمهم التي امتد عمرها عقوداً.
أعتقد أن من يتابع تطورات أزمة ميدان تقسيم في تركيا، يرى وجهاً من أوجه الشبه، بينها وبين الاحتجاجات التي وقعت في دول ما يسمى بالربيع العربي.
في الحقيقة أننا كنا ننتظر نحن العرب من العثماني الجديد المتمثل في السيد أردوغان، أن يقدم لنا صورة أكثر حضارية من هزال الدكتاتوريات العربية التي طالما هاجمها في خطاباته، و وصفها بأبشع النعوت والأوصاف، ليسقط هو الآخر في فخ تقسيم.
عندما بدأت التظاهرات في إسطنبول بسبب إزالة حديقة غيزي بارك وتحويلها إلى مركز تجاري، كشف أردوغان عن قناعه الحقيقي وراح يكيل الاتهامات لخصومه بأنهم ليسوا سوى حفنة رعاع ولصوص، في صورة تبتعد كل البعد عن حدود اللباقة السياسية، تماما مثلما وصف الزعيم الليبي السابق معمر القذافي المناهضين له بأنهم جرذان، ومجانين، وآكلي حبوب هلوسة.
واقع الحال يقول أن أردوغان يحذو حذو من سبقه من رؤساء دول "الثورات العربية"، لأنه لم يتورع في اتهام جهات داخلية وخارجية بالتمترس وراء أعمال الشغب من أجل تبرير استخدام الحلول الأمنية والعنف المفرط ضد المتظاهرين، وهو الموقف نفسه الذي دافع عنه غريمه وجاره اللدود بشار الأسد ضد المناهضين لحكومته منذ بدء الاحتجاجات في درعا.
أردوغان أماط اللثام عن نزعة استعلاء على شعبه ونظرة احتقار لمن يخالفه الرأي في سياساته، حينما قال: "إذا جمعوا 100 ألف متظاهر ضدي، فإني سأجمع مليون مؤيد لسياستي" وفي الحقيقة تذكرني هذه العبارة بما كان يفعله الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، عندما كان يجمع مؤيديه في ميدان السبعين ردا على حشود المعارضة في ميدان الستين.
وفي لحظة ما بدا أردوغان، الإنسان الواثق من نفسه، غير آبه بما يجري من حوله، فأبقى على أجندة زيارته لدول المغرب العربي كما هي، ولم يكلف نفسه عناء سماع انشغالات المعارضة قبل أن تكبر الاحتجاجات ككرة الثلج وتصل إلى ما لا تحمد عقباه. تماما مثلما لم يكلف الرئيس السوري نفسه عناء السفر إلى درعا في بداية الاحتجاجات لامتصاص غضب الأهالي هناك.
الذي لا شك فيه هو أن حال تركيا ليس حال الدول العربية، فأردوغان دفع بلاده لأن تكون سادس أكبر اقتصاد نمواً في أوربا كما تضاعفت حصة الفرد من الدخل القومي ثلاثَ مرات منذ وصولِ حزبه إلى الحكم، إلا أن ذلك لا يمنع الأتراك الناقمين على سياساته من الوقوف في وجه من يعتبرونه "دكتاتوراً جديداً" يحن إلى التفرد بالسلطة، ويصادر رأيهم عندما يتعلق الأمر بقضية داخلية وطنية، كالقضية الكردية أو قضية خارجية، كالتدخل طرفاً في الأزمة السورية التي قامر بها على حساب أمن تركيا واستقرارها.
مقالات للكاتب سامي قاسمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق