قلما يرد في صنعة الأدب العربي الحديث، حيث معشر الكتاب على اختلاف تخصصاتهم الإبداعية في الشعر والقصة والرواية، مصطلح “محرر أدبي” ذلك الذي يشيع في الغرب على نحو أساسي يقع في صلب الإبداع .
قديماً كان الشاعر العربي يقوم بتنقيح قصيدته العصماء من ألفها حتى يائها لتخرج في حلة جديدة خشية الوقوع في أي زلل أو خطأ غير مقصود، سواء تعلق ذلك بسبك المعنى، أو تصريف الصياغة والنحو، فينجز قصيدة محبوكة على نحو استثنائي، تجنبه نقد الشعراء وتندرهم، فيخسر معركة التجويد والفروسية، وبالتالي تهبط أسهمه في رأس مال الأدب والشعر .
الأسئلة كثيرة حول إحجام الكاتب العربي عن دفع مؤلفه الجديد لشخص، آخر لينقحه مما علق به من إسهاب الخيال أو انفلات الأفكار التي ترد عفو الخاطر في غمرة انشغال الأديب على نصه، وهو انشغال معرض في كثير من الأحيان إما لهنات بسيطة هنا وهناك، أو لنوع من الشطط أو فقدان بوصلة الفكرة وضياعها، وما لم يتدارك الكاتب مثل تلك الهنات سواء قام هو نفسه بتنقيحها أو قام آخر بذلك، فسيكون معرضاً لخسارة مجهوده، وهو ما تنبهت له صناعة النشر في الغرب من خلال وظيفة “المحرر الأدبي” التي هي وظيفة تكاد تكون معدومة في سوق النشر والثقافة العربية .
ومن يقرأ عن شجون وتفاصيل هذه الوظيفة في الغرب، تتملكه دهشة كبيرة، وهو يتابع سنوات من الإبداع الروائي والقصصي وقامات وأعلام كثيرة، لم تكن لتتحرج وهي تخضع نتاجاتها الأدبية لمحررين أدبيين، رافق معظمهم تشكل هذه الأعمال أولاً بأول . ففي تحقيق أجرته القاصة الأردنية حزامة حبايب تناول تفاصيل كثيرة عن وظيفة المحرر الأدبي، يرد على سبيل المثال اسم الأسطورة ماكسويل بيركنز، الذي يعتبر من الأسماء التحريرية الكبرى في تأريخ الأدب الحديث، بل إنه وصف بأوصاف كثيرة مثل “طاغية” الكلمة الحكيم، و”البات” و”القاطع” و”المانع” الذي اشتهر بالحصافة الفكرية واللغوية، وكان يمتلك موهبة تحريرية فذة، حيث أشرف على أعمال كثيرة لإيرنست همنغواي وسكوت فيتزجيرالد وتوماس وولف وغيرهم .ما يشير إلى أهمية الدور المنوط بوظيفة “المحرر الأدبي” هو ذلك السياق الطبيعي، الذي بات معمولاً به في سوق النشر الغربي، هذه السوق التي تضم كثيراً من المؤسسات العالمية، ويبدو أنها ربطت عوامل نجاحها بمثل هذه الوظيفة، فتنافس من خلالها في سوق الكتاب والشهرة الأدبية على نحو يراعي المعايير الجمالية .في الغرب الثقافي يمثل كل من المؤلف والمحرر الأدبي حجر الزاوية لنجاح العمل الأدبي، ويبدو أيضاً أنّ مثل هذه العلاقة مع استمرارها لسنوات وسنوات من عمر الثقافة الراهنة، قد استوعبت الكثير مما يطرح في بند الحساسية لجهة الكاتب أو منتج النص الأصلي، فباتت العلاقة بين الطرفين هي علاقة ثقة، طالما كان الهدف هو نص إبداعي مكتمل شروط ومعايير التحرير الأدبي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق