رغم التسريبات والمعلومات الموثقة عن العلاقة المزدهرة بين مشيخة قطر وتنظيم القاعدة، فإنه كان من المبكر - كما اعتقد البعض- أن تصل هذه العلاقة في طورها الأخير إلى فتح مكتب لطالبان في الدوحة،
وأن تكون العراب لمفاوضات الأميركي معها، حيث تعيد الى الأذهان ما فعلته يوم احتضنت مكتب الاتصال الإسرائيلي، وباتت العراب لنفاذ اسرائيل إلى الداخل العربي.
لا تكفي المفارقات السياسية بأبعادها المختلفة لتفسير السلوك القطري، ولا لفهم حدود وعوامل صناعة القرار داخل المشيخة القطرية التي ظلت على الدوام تنسج في الخفاء أدوارها، وغالباً ما تنجزها خارج الأضواء، وداخل الغرف المغلقة، لتختار لاحقاً تاريخاً تضيع فيه الأحداث وتتشعب، بحيث يمرّ القرار دون أن يحدث ذلك الضجيج.
قرار الإفصاح القطري عن هذه العلاقة، لم يكن موفقاً في التوقيت ولا في الطريقة التي دفعت بالحكومة الأفغانية إلى المسارعة لإعلان اعتراضها بتعليق اتفاقها الأمني مع واشنطن في موقف احتجاج على الأصابع الأميركية التي تقف خلف الطبخة القطرية.
والتوقيت.. جاء في لحظة لم يكن العالم قد استعدّ بما فيه الكفاية للمهادنة مع تنظيم القاعدة، رغم مفردات المصالحة معها في الخفاء والعلن، ويجد صعوبة واضحة في هضم وجودها، حتى لو أنها جاءت أكثر من مرة داخل أجندات الغرب الذي لم يبدِ السخط من حضورها، وربما تعمّد ذلك!
الترتيب القطري هذه المرة أغفل جملة المتغيرات الأخيرة التي اقتضت في كثير من الأحيان تعديلاً في ترتيب الأولويات، بما في ذلك التفاهمات السابقة التي كانت قد أملت على القطري في حينها أن يسوّق القاعدة ويروج لطالبان عبر منافذ سياسية غير مسبوقة على مستوى العالم. وتزامن ذلك مع حديث عن استعجال قطري على إنهاء المهمة قبل أن يسلم حمد مقاليد الدور لابنه، وهو ما كان وراء غياب التنسيق الأميركي مع الحكومة الأفغانية التي رأت فيه رسالة موجهة لها قبل أي شيء آخر، حيث لم يتوافر الوقت الكافي للأميركيين المشغولين بتسليح الإرهابيين في سورية، كي يتم ترتيب الأمر مع كابول قبل إعلانه في الدوحة.
ما يجب التوقف عنده لا ينحصر في الطريقة والتوقيت بقدر ما ينحصر في الاستراتيجية الأميركية التي تقف خلف هذه الخطوة، والتي تقدم رسائل قد يصعب للوهلة الأولى فكّ رموزها، وهي التي تحولت في هذه الأيام إلى سلسلة من الأحجيات في مواقفها وأدوارها، وحتى خطواتها التي تبنيها على عجل بكثير من الأمور. فالإدارة الأميركية التي أظهرت ما اعتبرته مصالحتها التاريخية مع الإسلام السياسي الإخواني منذ إعلانها الغامض والملتبس عن مقتل بن لادن، لم تجد في الإخوانية، ما يحقق تطلعات مشروعها في إعادة الهيمنة بطريقة مختلفة عن سابقاتها، بل على العكس كانت تلمس عجزاً متزايداً ومحدودية في قدرتها على النفاذ أو التقدم خطوة دون ارتدادات وانعكاسات عاصفة، رغم كل الظروف التي هيأتها واشنطن مسبقاً، لتكون الإخوانية برموزها السياسية والدينية والعقائدية مفاتيح لبواباتها الى المنطقة، وقوتها الضاربة في تدجينها!! .وزاد في الطنبور نغماً أن قيادات هذا المشروع ورموز إخوانيته الأردوغانية تترنح اليوم تحت ضغط مشكلاتها الداخلية التي أعطبت في ضربة واحدة كل أحلامها في أن تكون القاطرة لذلك المشروع، فيما جاءت بدائله من زمرة مرسي مهزومة من داخلها، ولم تكن بحاجة إلى عوامل إضافية لتأكيد هذه الهزيمة.
وفيما الإعلان القطري يشكل فصلاً جديداً من فصول النفاق الأميركي، يحق للقاعدة أن تكون الحليف الجديد بلباسه التقليدي وبملامحه المعتادة، حيث تبيح الضرورات المحظورات، ويحق لتنظيم القاعدة أن ينعم ببعض الرفاهية بعد أن سئم من الحياة على مدى عقدين من الزمن في جبال تورا بورا.
مقالات للكاتب علي قاسم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق