أعلنت القوى العلمانية والناصرية والوطنية في مصر تشكيل حركة أطلقت عليها اسم “تمرد” وحددت (الأحد) الموافق 30 يونيو/حزيران 2013 لبدء تظاهرات وحركة “تمرد” في مختلف المدن والقرى المصرية بهدف إسقاط الرئيس محمد مرسي وحكم الإخوان . من جهتهم قام الإخوان يوم 15 حزيران بحشد جمع كبير من أتباعهم في استاد القاهرة وخطب فيهم محمد مرسي وقطع علاقات مصر مع سوريا . وقال إن “بعض الواهمين يريدون الانقضاض على ثورة 25 يناير، ويتصورون أنه يمكنهم أن يهدموا الاستقرار الذي ينمو يوماً بعد يوم، ويريدون هدم إرادة الشعب المصري التي تمخضت في الانتخابات وستستكمل بناء مؤسساتها، ودفع البلاد إلى الفوضى وعدم الاستقرار”. ثم تلاه خطاب محمد البلتاجي عضو المكتب التنفيذي لحزب “الحرية والعدالة”، الذي انتقد المؤسسة العسكرية. وفيما تصاعدت حدة التوتر بين الأطراف المتجاذبة في مصر، حذر وزير الدفاع المصري الفريق أول عبدالفتاح السيسي من انزلاق البلاد في صراع تصعب السيطرة عليه، وقال إن “الجيش لن يقف صامتاً أمام حملات تخويف الشعب المصري وترويعه” .
المعارضون للرئيس المصري محمد مرسي ومنظمو حركة “تمرد” رأوا في هذا الحشد الإخواني رسالة تهديد موجهة إليهم مفادها، أن الإخوان لن يسكتوا وسوف يردون على من يقف في وجههم، وأنهم مستمرون في حكم مصر مهما كانت التحديات، لكن مع ذلك، فإن المعارضين ازدادوا إصراراً على المثابرة حتى إسقاط حكم الإخوان مهما كانت التضحيات.
والواقع أن مصر اليوم هي في محنة كبيرة وسوى الله تعالى لا يعلم ما ستؤول إليه الأمور فيها، والسبب أنها أصبحت موزعة بين نهجين وتيارين: بين الإخوان الذين انتظروا طويلاً الوصول إلى السلطة وقد تحقق لهم هذا الحلم أخيراً، وبين مثقفين ومفكرين مسلمين وعلمانيين ومسيحيين يرون أن فكر الإخوان هو فكر هدام لا يصلح لمصر ولا لغيرها من بلاد المسلمين، وأن بقاءهم في الحكم سيؤدي إلى تحطيم الدولة المصرية وإلى خراب مصر لا محالة .
ولعل ما يزيد الوضع خطورة هو أن الطرف المعارض للإخوان يقف أمام جماعة تعتقد أنها مكلفة بأمر من الله إقامة “الخلافة الإسلامية” وإعادة المجتمع المصري إلى الإسلام بعد حالة الجاهلية التي هو فيها . “إنِ الحكمُ إلا لله” هذه الآية الكريمة التي اتخذها الخارجيون ذات زمن من التاريخ العربي المسلم شعاراً لهم في وجه خصومهم السياسيين، وهي الآية نفسها التي يرفعها الإخوان اليوم، فلا يجوز، حسب زعمهم، تطبيق قوانين الكفار في بلاد المسلمين، ولا بدّ من تطبيق الشريعة على وفق القرآن والسنة. إن الطامة الكبرى هي أن للإخوان أذرعاً تساعدهم في الداخل والخارج، و وصولهم إلى السلطة في مصر هو نتاج تدبير وتخطيط استمر زمناً طويلاً، تم فيه تهيئة رجال موالين لهم حتى كانت اللحظة الحاسمة، فجاء التمكين على أسهل ما يكون. إن الإخوان الذين انتظروا كل تلك السنين للوصول إلى الحكم لن يتخلوا عنه بالسهولة التي يتخيلها البعض، ولن يُخضِعوا أنفسهم لما يسمى “الديمقراطية”، إذ كيف يخضعون لها وهم يرون في أنفسهم، أنهم المكلفون من قبل الله تعالى إقامة دولة الإسلام؟ إن فكر الإخوان ينظر إلى المجتمع المصري على أنه “مجتمع جاهلي”، وهم من هذا المنطلق من حقهم أن يقتلوا مَنْ يشاؤون، في سبيل إقامة حكم الله في الأرض كما يزعمون . ومن يعاديهم فإنه يعادي الله ورسوله، كما قال مرشدهم الأسبق مصطفى مشهور، وكما يقول مروجو أفكارهم في هذا الوقت. إن إقامة حكم الله أمر لا بدّ منه، في فكر الإخوان، وحتى لو قتل ملايين المصريين، فلا يهم لأن المهم هو إرضاء الله تعالى. أليس كل إنسان مؤمن يسعى إلى إرضاء الله؟! وهكذا يجب فهم الأمر. إن المعضلة هي أن الإخوان أعدوا وحضّروا لكل مرحلة بدقة متناهية، فأقاموا ما يسمى “الجهاز الخاص” وهو تنظيم عسكري سري، مهمته تطبيق فكر الإخوان بقوة السلاح، فمن يعترض يتم قتله. ومن هنا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو، إلى أين تتجه مصر، فهل سيتواجه المشروعان المتناقضان على أرضها، في نهاية المطاف، وهل ستسيل أنهار الدماء من الطرفين، أم أن أحد الطرفين سوف يتراجع؟ . . قطعاً لن يتراجع الإخوان، إذ كيف يتراجعون وهم وكلاء الله على الأرض لتطبيق حكمه وشرعه؟ وفي المقابل سيكمل أنصار الكلمة الحرة والفكر الحر نضالهم، وهكذا فلا بدّ من المواجهة التي ستقع لا محالة . إننا لا نتمنى إلا الخير لمصر ولأهل مصر، وندعو الله تعالى أن يجنبها شر ما يُحاك لها من قبل أولادها عن علم منهم أو عن غير علم.
مقالات للكاتب محمد خليفة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق