لم يكن من الصعب على الشعوب العربية أن تخرج في الشوارع والميادين محتجة على أنظمتها السياسية السابقة والحالية والمقاومة لمد التغيير، منذ العام 2011 وحتى اليوم، والسبب أن حاجز الخوف قد انكسر، وصيحة الحرية قد ارتفعت في سماء مطالب الجماهير الشعبية التي سُلب صوتها.
ولو نظرنا إلى ملفات الفساد وحقوق الإنسان والحريات العامة، فهي تأتي على رأس أولويات شعوب المنطقة العربية، التي مازالت تعيش صراعاً بين الدكتاتورية والديمقراطية، بل حتى أن مفهوم الديمقراطية الكاملة في المنطقة ليس موجوداً بمفهومه الحقيقي، ويكفي أن نرى ما حدث في الآونة الأخيرة في بلد مثل تركيا، التي كانت مضرب المثل عربياً وغربياً، إلا أن أحداث «ميدان تقسيم» كشفت الوجه الحقيقي لهذه الديمقراطية الناقصة، في ظل متناقضات سياسية كثيرة تلف الوضع الداخلي في تركيا، التي هي جزء لا يتجزأ من منظومة منطقة الشرق الأوسط.
أما الحديث عن ملف حقوق الإنسان وحرية التعبير، فهي في بلد مثل البحرين أصبحت في مهب الريح، بسبب تجاهل الجانب المعني في الدولة لحل هذا الملف، ليس فقط بإرادة حكومية شجاعة، ولكن أيضاً بتغيير العقلية القائمة على الحل الأمني، وانتهاج التهديد بدلاً من الحل السياسي المتزن، الذي يفضي إلى سماع جميع الأطراف، وإطلاق العنان لحرية التعبير من خلال منح الصوت لمن ليس له صوت عبر وسائط الإعلام المختلفة.
وهنا في البحرين، الجميع ينظر إلى الفترة المقبلة بترقب لحل سياسي بحريني (لا يريدون أن تكون هناك أزمة كل عشر سنوات)، ولكن من خلال عملية جادة تحرص على تحقيق التكامل لهذا الحل، الذي قد ينهي ملفاً طويلاً من انتهاكات حقوق الإنسان بشتى أنواعها، ولشتى فئات المجتمع الذي مازال يتعرض لضغوط بسبب التعبير عن آرائه منذ العام 2011.
إن الديمقراطية الصحيحة هي من تسمع للآخر وتتقبل التغيير، وإلا فإن الوضع يبقى مترنحاً وغير مريح.
أمّا وضع بعض الرتوش لتحسين صورة الوضع فإن ذلك لن ينفع شيئاً، لأن الواقع للأسف مريرٌ ومليء بقائمة طويلة من الانتهاكات، وهو أمر لا يمكن أن يتجاهله أحد، لأن حقوق الإنسان تبقى محل المساءلة في أي وقت وفي أي مكان، إضافةً إلى أنها مفصلة في العهدين الدوليين والاتفاقيات الأخرى؛ ولذا فإن السلطة عليها أن تتيقن أن الحل السياسي هو الخيار الأفضل للخروج من الأزمة الحالية؛ فالمعادلات السياسية في المنطقة بدأت تتبدل، ولا يمكن المراهنة على الزمن أو الاعتماد على الآخر، وهذا لن يتم إلا من خلال وقف الانتهاكات بدايةً، ومن ثم الخوض في حوار جدي يكشف كل ما تم ارتكابه من أخطاء، والعمل على تبني منهجية ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، وتحترم الرأي الآخر في إطار مفهوم عصري للدولة المدنية، وليس في إطار مفهوم دولة الأفراد أو الجماعات، وذلك من أجل المصلحة العامة.
إن التهرب من واقع تعيشه البحرين يعكس غياب الجدية في التغيير الذي يصب في صالح المصلحة العامة، والالتزام بما وعدت به السلطة من تعهدات لصيانة الحقوق الأساسية في العام 2001. كما أن الشحن الطائفي، الذي يغذيه البعض، هو مسؤولية تتحملها جميع الأطراف وعلى رأسها الدولة، التي لم تتقدم برؤية سياسية حتى الآن تدفع باتجاه الحل البحريني الذي ينتظره الجميع في ظل المتغيرات التي تعيشها المنطقة العربية.
إن الحل السياسي سيساهم في امتصاص الاحتقان في الشارع، أما الاستمرار في القمع أو التجاهل أو الصمت فلن يوصل إلا إلى نهايات مكرّرة تبقى عالقةً في ذاكرة التاريخ الإنساني، يتذكرها جيلا بعد جيل، وذلك بعد أن تضيع الفرص الواحدة تلو الأخرى.
مقالات للكاتب ريم خليفة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق