أعترف أنني بتُ أخشى كثيراً أية مراجعة وأخاف بشدة دخول أية مؤسسة حكومية لترويج أو إنجاز معاملة، خشية التعرض للإهانة أو معاينة مشاهد محزنة بحق المواطنين دون ان أستطيع فعل شيء لهم.
هذا الخوف ربما وصل مرحلة الرهاب أو ما يعرف بـ(الفوبيا) أي الخوف الذي تصعب السيطرة عليه تجاه شيء ما، وهو هنا مراجعة الدوائر الحكومية.
الفوبيا لدى معظم العراقيين تعود لأيام صدام، حين كانت لافتة (منْ يعتدي على موظف حكومي في أثناء تأدية الواجب يتم حجزه والاتصال بالنجدة لإجراء اللازم) تعلّق في المؤسسات الحكومية كافة، وهي عبارة مطاطية في صالح الموظف ضد المراجع المسكين وفيها من التهديد ما يرعب أي إنسان عاصر قسوة الدكتاتورية.. ثم ألم نكن جميعاً نعاني من فوبيا الدوائر الأمنية ؟.
اليوم يفترض زوال مسببات هذا الرهاب السيئ لتحل محله السكينة والراحة بعد ان حلّت الديمقراطية محل التسلّطية المقيتة.
لكن المشكلة على ما يبدو في الموظفين القدماء (لنقل غالبهم) الذين تربوا على التعالي والكسل الذي يخرجهم عن دائرة الرحمة الإنسانية والإحساس بمعاناة الآخرين.
الموظفون الجدد أفضل (في غالبهم) من القدامى وتنخفض لديهم نسب الفساد والرشوة، وهم أقرب الى التعاون مع المراجعين من أسلافهم ولكنهم للأسف ينخرطون بعد مدة وجيزة في ما وجدوا عليه سابقيهم.
ولذا نجد ان الدوائر الجديدة ذات الأغلبية الشبابية أكثر قرباً من نفوس المراجعين من تلك العتيدة التي يتحكّم بها أصحاب الرؤوس البيض.
المفارقة ان الحكومة تصرف سنوياً مبالغ طائلة على الدورات التأهيلية والتنشيطية والتخصصية لموظفيها داخل وخارج البلاد، وهي تحقق في ذلك تقدماً شديد البطء على كل الصُعد، أتعلمون لماذا ؟.. لانها تركز على الجانب العملي فقط، وتهمل ما يتعلق بالضمير الوظيفي أو الجانب الإنساني.. وباعتقادي ان الجانب الإنساني أهم بكثير ولو تحقق لتحقق معه الجانب العملي بسرعة فائقة.. لان من يملك ضميراً حياً وحباً للآخرين سيكون مجداً ومثابراً وحريصاً على إعطاء أفضل ما لديه لنجاح دائرته.
الحكومة مدعوة لتشديد رقابتها على سلوك موظفيها مع المواطنين، وان لا تنسى عزل من تثبت إساءته لوظيفته وللمراجعين، والإتيان بآخر يحسن التعامل مع الناس ويؤدي واجبه على أكمل وجه.. أي ان لا يشعر الموظف بانه في حصانة تامة إذا أحسن صيانة أوراقه الوظيفية من الثغرات التي يمكن ان تدينه قانونياً.. بل عليه ان يحس بسيف الرقابة التي تلاحقه على سلوكه مع المواطنين، وان يقتنع بان سيرته الورقية (مهما كانت ناصعة) لن تشفع له إذا أساء التصرف مع العراقيين.. بهذا وحده تنجح الحكومة في إقناعنا بان زماننا اليوم غير زمن الأمس البغيض.
مقالات للكاتب كريم ابو طوق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق