الثلاثاء، 3 سبتمبر 2013

الصعود بالمحكي

يجمع الدكتور يوسف زيدان في كتابه “حي بن يقظان، النصوص الأربعة ومبدعوها” بين أساليب البحث العلمي التأريخي وسلاسة السرد الأدبي، يحكي سير: ابن سينا، ابن طفيل، ابن النفيس والسهروردي، يقارن بين بيئاتهم الجغرافية والعوامل التي دفعت كل واحد منهم إلى معالجة ثيمة حي بن يقظان، وبين ثنايا السطور يتطرق إلى قضايا تتعلق بالتصوف والفلسفة وضرورة مراجعة نظرتنا إلى أعلام ينتمون إلى تراثنا الفكري، ويرى أنهم أخذوا أكثر مما يستحقون من الدراسة والشهرة مثل ابن رشد .
يثير الكتاب شهية القارئ للنقاش، ولكن الأهم من ذلك يتمثل في مسألة الاكتشاف المتأخر للباحث يوسف زيدان، تخبرنا السيرة الذاتية للرجل أنه يعمل على التراث تأليفاً وتحقيقاً ونشراً منذ ثلاثين عاماً وله أكثر من أربعين مؤلفاً في هذا المجال، وهذه الكتابات على أهميتها وجودتها وطرافة موضوعاتها لم تنتشر وتعيد طباعتها كبرى دور النشر إلا بعد الضجة التي أثارتها روايته “عزازيل”، بل تم الاحتفاء بروايته الأولى “ظل الأفعى” .
المثير في حالة يوسف زيدان أننا لا يمكن فهم وتذوق روايته “النبطي” من دون قراءة كتابه “اللاهوت العربي”، وهناك صلة وصل أخرى قوية بين “ظل الأفعى” وأبحاثه في التصوف، وأيضاً بين “عزازيل” وتحقيقاته للمخطوطات المتعلقة بالتاريخ الضارب في القدم للمنطقة، وربما جاءت رواية “محال” أضعف إنتاجات زيدان الأدبية لغياب هذه الصلة، حيث تدور أحداثها في الواقع المعاصر .
حالة يوسف زيدان نموذج لصعود الرواية في ثقافتنا الراهنة، فهناك في الخلفية ذائقة وتوجه، يتشارك فيهما النقد ودور النشر ووسائل الإعلام ومناخ العصر، لوضع المحكي في واجهة المشهد، فأية قراءة أخرى لزيدان ربما تكتشف تفوق الصنعة البحثية لدى زيدان على نظيرتها الأدبية .وحالة زيدان بالإمكان ملاحظتها لدى آخرين مثل الباحث السياسي عمار علي حسن، ولم تعد تقتصر على البحث، حيث الرغبة في تبسيط الأفكار في شكل سردي، بل في الشعر أيضاً، فالملحمة الروائية “الملهاة الفلسطينية” بأجزائها المتعددة وضعت الشاعر إبراهيم نصر الله في الصف الأول من الروائيين العرب .ولكن هل هي حالة صحية؟ سؤال يخضع لاشتراطات وأسئلة أخرى: من قبيل ضرورة دراسة الظرف المجتمعي بتحولاته المختلفة، وما هي الحاجات التي تلبيها الرواية لدى القارئ؟ وهل هناك علاقة بين الصعود بالمحكي ببساطته وتراجع الشعر من جهة وتدهور تعليم اللغة العربية من جهة أخرى؟ وإلى أي مدى يرتبط المحكي بالرغبة في البوح والتعبير السلس عن الشخصية التي اتاحتها مواقع التواصل الاجتماعي؟ والأهم من ذلك هل ستؤدي هذه احالة إلى منتج لافت يشكل إضافة نوعية إلى الرواية العربية؟

   مقالات للكاتب محمد إسماعيل زاهر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق