الثلاثاء، 3 سبتمبر 2013

«المعايير الدولية» ... ومأزق آخر للمصداقية

الرئيس الأميركي باراك أوباما طرح تبريراً بشأن قراره الأولي للإجراء العسكري ضد سورية، إذ أشار إلى ضرورة «إنفاذ المعايير الدولية»، وأن سورية «خرقت» تلك المعايير عبر استخدام الأسلحة الكيمياوية. وبحسب ما قاله متحدث أميركي رسمي فإن «هذه المعايير الدولية مهمة وليس من المناسب للدكتاتوريين الشموليين الذين يخرقونها الإفلات من العقاب... وأن الرئيس أوباما يهتم بحماية هذا المعيار الدولي». هذا المَخرج الذي طرحه أوباما لتخطي العراقيل التي ستطرحها روسيا والصين في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، إذ أشار إلى أن القرار في هذا المجلس أصبح «مشلولاً».
لكن هناك بُعداً آخر، أشار إليه الزعيم الأسبق لحزب الديمقراطيين الليبراليين البريطاني بادي أشداون، الذي كتب على حسابه الخاص في «تويتر» بعد رفض البرلمان البريطاني مشاركة بريطانيا في العمل العسكري ضد سوريا، قائلاً «بعد 50 سنة من خدمة بلدي لم يسبق لي أن شعرت بالاكتئاب والخجل، لأن بريطانيا قالت بأن الأهوال في سورية ليست من شأننا». وأضاف: «نحن بلد تقلص بشكل كبير منذ هذا اليوم، وقد أفرح البرلمانيون البريطانيون الأسد وبوتين... إننا نسير نحو الانعزالية».
أشداون أشار في مقال سابق إلى أن «عصبة الأمم» لم تستطع منع الحرب العالمية الثانية، لأنها في الأساس عجزت عن معالجة «أزمة الحبشة» في 1935 - 1936، لأن تلك الأزمة وحدت بين المانيا النازية وإيطاليا الفاشية، وذلك بعد أن قامت إيطاليا بتحدي كلٍّ من بريطانيا وفرنسا (القوتين العظميين المسيطرتين على عصبة الأمم آنذاك)، ونفذت تهديدها وغزت إثيوبيا، وذلك ضمن التدافع آنذاك للسيطرة على إفريقيا. وعندما غزتها إيطاليا، تقدمت إثيوبيا بشكوى لـ «عصبة الأمم»، ولكن المنظمة الدولية (تحت قيادة بريطانيا وفرنسا) أصبحت ضعيفة ولم تتمكن من فعل شيء سوى إدانة الهجوم، وإصدار أمر لجميع أعضاء عصبة الأمم بفرض عقوبات اقتصادية على إيطاليا، لكن حتى هذا القرار لم يُطبَّق، والتردد في بريطانيا وفرنسا كان سيد الموقف، وهذا السياق - بحسب أشداون - مهّد الطريق لانفجار الحرب العالمية الثانية في 1939.
وعليه، فإن الذين يحثون أوباما على الضربة العسكرية يشيرون إلى الضعف والتردد الذي أصاب كلاً من بريطانيا وفرنسا في مرحلة حرجة من تاريخ العلاقات الدولية، وكيف عجزت الدولتان أمام الأزمات التي كبرت لاحقاً وأصبحت تضم محاور وتحالفات تصادمت في الحرب العالمية الثانية. وعَوْداً على ما جرى مؤخراً، فإن بريطانيا التي كانت متحمِّسة اصطدمت بقرار برلمانها (في 29 أغسطس/ آب 2013) الذي عارض التدخل، وأميركا الآن ربطت تدخلها بموافقة الكونغرس، وفرنسا تنتظر القرار الأميركي قبل أن تقول كلمتها الأخيرة.
ولكن لا بدّ من القول بأن الحديث عن «المعايير الدولية» لا يتوقف عند الأزمة السورية فقط... فإذا كانت المعايير ستفرض على سورية، وإذا تمكنت أميركا من فرضها - بشكل أو بآخر - فإن الرأي العام في البلدان الغربية سيضغط من أجل تنفيذ جميع المعايير الدولية على جميع البلدان من دون استثناء، وفي كل المجالات... وفي ذلك مأزق آخر للمصداقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق