~أعدتْ جامعةُ «هارفارد» الأميركية، دراسةً عجيبة عن السعادة، تعد من
أطولِ الدراسات زمناً، حيثُ رافقتْ جيلاً كاملاً، يتمتعونَ بخلفياتٍ
اجتماعية، ومادية، وثقافية مختلفة، واهتمامات متنوعة، حوالي 75 عاماً، منذُ
كان أفراد عينة البحث والدرس طلاباً حتى كبروا، وشاخوا، وماتَ بعضهم، كانَ
التواصل معهم عبر استبيانات، وتقصٍ، ومتابعة لآخر المستجدات في حياتهم،
وأيهم كان أقرب للسعادة من غيره، وستتواصلُ مع الأبناء والأحفادِ من بعدهم،
والباحثونَ والدارسون لهذه الظاهرة يتتالون، فمن يقضي نحبه، يستبدلُ
باستاذ جديد، وهكذا، ماذا خلصتْ تلكَ الدراسة الطويلة التي تقومُ بها أعرق
جامعة في العالم؟: أنّ أهمَ مصدرٍ للسعادة، هو ذلكَ الذي يأتي من العلاقات
الاجتماعية في المقامِ الأول، فمن قدر على التواصل والتراحم، وتبادل أمور
الحياة، والمشاركة الجمعية، كانَ أسعد من ذلك الانطوائي، البعيد عن
المشاركة، المحتجز في حيزٍ واحد، ولا يرى إلا نفسَهُ، وعلاقاته الاجتماعية
محدودة، ثم حددوا خمسة أسباباً أخرى للسعادةِ الإنسانية، أولها: العمل من
أجل غاية، وهدف، وكلما قاربت ذلك الهدف زدت سعادة، بعكس الأفراد المجبرين
والمضطرين لعمل خارج أهدافهم، ولا يحقق مبتغاهم، تجدهم كمن يؤدي واجباً
منزلياً ثقيلاً، وأحياناً دون جدوى، وثاني أمور السعادة: هو التفكير
الإيجابي، فكلما سعيت لتحسين وضعك، وعلو رتبتك، معَ الرضا بما أنت فيهِ
الآن، فأنت إيجابي هنا، وتستحق تلك السعادة التي تطرق بابك، بعكس الآخر
الذي يتمنى أنْ ينتقل لمرحلة أفضل، وحياة أرقى، مع شعوره الدائم أنَّهُ
غيرُ سعيدٍ بوضعه الحالي، قد يصلُ الاثنان، لكن واحداً شعر بالسعادة
والرِضا بما عنده في مرحلة، حتى انتقل لمرحلة أفضل، وآخر ظل سلبياً، وغير
راضٍ، وغير مستمتع بما عنده طوال فترة الانتقال، فخسر تلك السعادة، ثالثة
الأثافي في طريق السعادة: تلك السعادة التي تأتي من العطاء، وهي سعادة لا
تقدر بثمن، حتى أصبحَ العطاء أحدث العلاجات التي توصف للمكتئبين، فالبذل
والتضحية والإيثار، كلها ترتد إليك من حيث لا تدري بمقدار من السعادة يرضي
النفس، ويجعلها تتطهر، وتسمو، أما الرابعة: فهي الحرية، الحرية الشخصية،
والحرية العامة، الشخصية تجعلك قادراً على الاختيار، وهو ركيزة الإنسان في
الحياة، وبالتالي تحمل المسؤولية، والأمانة التي رفضتها الجبال الرواسي،
أما العامة فيكفي أن ترى ضحكة الإسكندنافيين، وضحكة شعب كوريا الشمالية،
والخامسة الأخيرة: هي الصحة الجيدة، فكلما كنت متعافياً، شعرت بطعم
السعادة، وإن اعتللت دخل بعض من السأم، وشيء من المرارة في الفم.. دمتم
سعداء.
مقالات للكاتب ناصر الظاهري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق