الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

التعساء

حتى يكون التعيس متذمراً، قانطاً، حانقاً، ساخطاً، متبرماً، حاقداً، حاسداً، ناقماً، متوجساً.. متى؟ المقارنة بالآخرين، مربط الأحزان والأدران والأشجان.. الوقوف عند مباهج الخارج تجعل الإنسان متوتراً، متوجساً، مكفهراً، لأنه مهما بذل لابد وأن يجد من هو أرفع منه أو أغنى منه، أو أجمل منه، أو أقوى منه.. هذه طبيعة الحياة، ولكن من يعش حياة المقارنة يعش أبد الدهر بين حفر الكآبة.. ولكن لماذا المقارنة.. لا يقارن الإنسان نفسه بالآخرين، إلا عندما يتجاهل ذاته، وقدراته بسبب جهله، لذلك «الأنا» هو مصدر كل النفايات التاريخية.
فالأم والأب يحثان طفلهما منذ المراحل الدراسية الأولى لأن يصبح طبيباً، أو مهندساً لأن ابن الجيران أصبح كذلك.. وينسى الكثير من الآباء والأمهات مدى أهمية الفروق الفردية بين الناس، وبالتالي يصبحون مصدر ضغط وثقل يؤدي إلى فشل الطفل في جميع مواده الدراسية لأنه يحار بين قدراته الضئيلة ومطالب الأهل، الأمر الذي يجعله يكره الدراسة وينبذها ويعتبرها العدو الأول له.. ولو ترك هذا الطفل على سجيته مع شيء من التوجيه، فإنه قد يصبح مبدعاً في مجال غير الطب وغير الهندسة، والحياة لا تتوقف عند مجال أو اثنين.
الآباء والأمهات يعانون من مركبات النقص، فإنهم يعيشون التعاسة ويعلقون مشاكلهم على مشاجب الأبناء، بينما المعضلة الأساسية تكمن في منطقة أخرى، من تاريخ الأبوين.. وينتج عنها ميل الأبناء إلى توجيه الكراهية للآخرين المتفوقين، ونبذ الأبناء الفاشلين ونعتهم بالتقصير والإهمال، هذه حالات تتكرر وموجودة بكثرة في مختلف المجتمعات التي لم يزل الأفراد فيها يعيشون حالات المقارنة ونقل الآفات الداخلية إلى الخارج والاستعداد دوماً إلى توبيخ طرف آخر، وإلصاق التهمة به كونه السبب في التعاسة.. فعندما يخسر الإنسان شجاعته ولا يستطيع الاقتراب من داخله فإنه يحيل كل ملفاته الذاتية إلى الخارج، وذلك ليعفي نفسه من التأنيب أولاً، وثم تحرير الذات من أي أخطاء.. فعندما يعترف الإنسان بذنبه فإنه يقرب من الفضيلة، وعندما يهيئ نفسه للدخول إلى الداخل لإضاءة النور هناك، والبحث عن مناطق الضعف فإنه يكمل دائرة اليقظة لديه، ويتخلص من عقدة الخارج.. أستطيع أن أقول هنا: لو فكرت مرة أن تجلس مع نفسك في خلوة فردية عرفانية وتفحصت تلك الغرفة ونظرت في زواياها وأثاثها ودواليبها، لو فعلت ذلك فسوف تجد ركاماً وزحاماً من الأفكار والرغبات التي لا لزوم لها، ولو حذفتها من ذاكرة الكمبيوتر الداخلي فسوف تشم رائحة هواء منعش وسوف تنتشي وتشعر بالسعادة.. السعادة كالفراشة لا تطيق الضجيج ولا تعيش في الزحام.. فأسعد نفسك بالنقاء والطمأنينة.

http://beladitoday.com/?iraq=%C7%E1%CA%DA%D3%C7%C1&aa=news&id22=68410

    مقالات للكاتب علي أبو الريش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق