الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

لقاء المشترك

كلّ انسان يتمنّى من جانبه أن يكون منسجماً مع نفسه وأهله وأصدقائه ومجتمعه وكل ما يحيط به.. ومجرد اللقاء بين الناس لوحده مهما طالت مدته لا يعبّر أحياناً الا عن علاقة أجسام متجاورة كتجاور الأحجار المتعازلة فيما تكون القلوب متنافرة }تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى{ فلا يجمعهم جامع رغم التقاء الأجسام انه "لقاء تعازل"..
وربما تعصف باللقاء رياح الشجار الحاد الذي يتهدد العلاقة ويورثها الكراهية بل الحقد ولا يزيدها مع مرور الزمن وتكرر اللقاء الا بعداً كما انه "لقاء تخاصم" بمجمله وان تخللته بعض مفردات الاتفاق!!..
وأحياناً تكون بعض اللقاءات مستبطنةً للاستهزاء والسخرية تستنزف وقتاً ولا تنجب الا مزيداً من البعد بين القلوب والاستخفاف بأصحابها انه "لقاء السخرية"..
 في المقابل هناك لقاء محبة مفعمٌ بالمشاعر ومزدانٌ بالصدق يؤشر على الاتفاق بدون مبالغة مثلما يؤشر على الاختلاف بلا توهين انه "لقاء محبة".. ورغم رصيد المحبة بين أطرافه لكنه يتعرّض للاختلاف بوجهات النظر أحياناً غير أن المودة المخلصة تصونه من القطيعة وتنأى به عن الحقد.. بل تفتح عليه أبواب الحوار الجاد والبنّاء للاستزادة من الخبرة المتبادلة لكل من اطرافِ اللقاء..
فهو "لقاء حوار" لتقريب وجهات النظر ولا شيء غيره عند الاختلاف لدرء خطر القطيعة والوصول الى افضل حل ولأصعب مشكلة..
لا ينتظر أيٌّ من اطراف اللقاء انه يتطابق مع الاخر وفي كُلِّ شيء مهما كانت مساحة الاتفاق كبيرة بينهم!!.. فـ"لقاء التطابق" لا وجود له في كل عالم الانسان حتى مع أقرب الناس في حياته..
ليس المطلوب ان نتطابق بالعلاقة بل المطلوب ألّا نتخاصم بل نتعايش ولا نفترق.. ولا يتوفر ذلك الا من خلال استحضار مساحة الاتفاق مهما كانت صغيرة والتمسك بها بصدق..
اللقاء المشترك مطلوبٌ بين الافراد كما هو مطلوبٌ بين الجماعات ومطلوبٌ كذلك بين الدول.. التفاوت الكبير بين دول العالم من زاوية الخلفية الاجتماعية والسياسية والفكرية يجعلها أمام حقيقة الاختلاف لكنه لا يحول دون تلمّس المشتركات وما أكثرَها.. فكما لا نتصوّر دولاً بلا اختلاف فلا نتصور دولاً بلا اتفاق.. وعي الاتفاق في العلاقات مهم وإرادة التفاعل من موقع المتفق أهم.. من يراهن على عالم حالم يخلو من الاختلاف واهم فليس له الا التسليم بحقيقة التنوع بين أبناء البشر..


http://beladitoday.com/?iraq=%E1%DE%C7%C1-%C7%E1%E3%D4%CA%D1%DF&aa=news&id22=68456

    
مقالات للكاتب د . إبراهيم الجعفري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق