جوقة من النساء تتفاوت اعمارهن بين العشرين والخمسين ، يتحركن بحيوية ونشاط لعزل حبات التمر الجيدة عن التالفة ، لتعبّأ في صناديق وترسل الى مراحل اخرى من العمل ، هذا مشهد حقيقي ويومي لنساء كربلائيات عاملات في احد المعامل الاهلية لمخازن التمور في ناحية الحسينية وهن يستمتعن بهذا العمل ، الاخلاص والدقة والحرص الشديد على عدم التفريط بتمرة واحدة صالحة للاكل ، والحرص على الوقت واستثماره في انجاز العمل كان اهم ما يميزهن ، على الرغم من وجود مراقب عمل ورئيس قسم وما الى ذلك، كان هؤلاء النسوة ( الخليط من الشابات وكبار السن) يقمن بعملهن على افضل وجه ، سواء كان المراقب حاضرا أم غائبا، بل عندما يحضر المراقب يسود شيء من الارباك وقليل من القلق ، وتنزعج بعض النساء من حضوره لانه يتعامل معهن باسلوب فيه خشونة واضحة.
مع مرور الوقت، تطورت علاقتي مع (ام عباس/50سنة) وهي احدى النساء الكبيرات في السن، فبدأت استفسر منها على انفراد عن طبيعة العمل وهمومها وهل هناك مضايقات او مشكلات معينة تظهر اثناء العمل؟ ، فقالت لي جميع الحاضرات هنا من عوائل محتاجة من كربلاء ومحافظات اخرى، فأما أرامل أو مطلقات أو متزوجات من رجال عاجزين ، بعض هؤلاء الرجال العاجزين غير مصابين بمرض او عاهة، بل لأنهم عديمي الشعور بالمسؤولية ، لا يعجبهم العمل ، يقضون معظم وقتهم في المقاهي ولعب (الدومينو) ، لذلك جميع النساء العاملات يحتجن لمصدر رزق لسد الاحتياجات الحياتية رغم ان عملهن قاسي ومزعج احيانا ، وحين سألتها عن سبب الازعاج قالت ، أولا: لا يوفرون لنا وجبة الفطور او الغداء، وثانيا: تمتد ساعات العمل طويلا الى ما بعد الظهر بكثير ، وثالثا: والاصعب من هذا كله، التحرّش بالنساء !! ، وحين سألتها باستغراب عن مصدر التحرش ضحكت وقالت الرجال طبعا ، مراقب العمل والمدير ورئيس القسم والعامل العادي وهكذا...
في زاوية اخرى من هذا المخزن رايتُ مشهدا دراميا آخر حيث تتكدس الصناديق المليئة بالتمر النظيف ، الى جانبه نشاط متواصل لمجموعة اخرى من النساء العاملات وتسود اجواء المرح والاحاديث الجميلة الجادة بينهن أثناء العمل، خاصة ما يتعلق بالاطفال والمدارس والتخطيط لشراء ملابس جديدة لهم ، ولكن هناك ما أحزنني ايضا، فقد شاهدت فتيات جميلات مكانهن في الجامعات والكليات والمدارس وليس في هذا المعمل ، وحين سألت احداهن هل أنت متعلمة؟ اجابت أنا اواصل دراستي الآن في مدرسة مسائية.
هؤلاء نساء عاملات يعملن باخلاص من اجل عوائلهن اولا وانفسهن ثانيا ، ويساهمن في تطور صناعة البلد ، ويخططن للمستقبل ، ويتحملن التعب والارهاق، والجوع احيانا ، هن يعملن باصرار لتذليل مصاعب الفقر والحاجة ، إذن هنَّ يتفوقن على بعض الرجال، أليس كذلك ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق