القريب والمطلع على مجريات العملية التربوية لدينا (لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا) بصورتها الحالية والآليات المعتمدة للنهوض بها يصاب بالإحباط واليأس ويخلص الى نتيجة مفادها ان لا أمل في المنظور القريب بتغيّر الحال.
الحقائق كثيرة، فعمليتنا التربوية تسبح في دائرة مفرغة لا يمكن الخروج منها على الرغم من الكلام الكثير والتعهدات والبرامج والأموال التي صرفت منذ 2003، شأنها في ذلك شأن ناعور الماء يتحرك على مدار الساعة ولكن دون ان يبرح مكانه.
الغريب ان ما يجري من "مكانك راوح" يتم تحميل مسؤوليته على الطالب وأولياء الأمور، مع ان طلبة عقود ما قبل صدام كانوا يعانون من ظروف أكثر قساوة من التي تلتها، حيث لم يكن هناك من يعلمهم في البيوت لقلة عدد من يقرأ ويكتب في المجتمع عموما، فضلاً عن الفقر والحرمان وعدم توفر الظروف الملائمة للدراسة، إلا انهم كانوا يتقنون دروسهم أفضل من تلاميذ اليوم الى درجة دفعت البعض الى القول ان شهادة الابتدائية فيما مضى تعادل اليوم الشهادة الاعدادية أو الجامعية !.
إذن الطلبة أبرياء وضحايا حُكم عليهم بالجهل الدائم والمستقبل المتخلف دون ان تتوافر شروط عادلة للادانة.
أما الأسرة التربوية "ادارة ومعلمين ومدرسين" فتتحمل المسؤولية بلا شك ومعها المدرسة والتخلف الذي يلفها.
القائمون على العملية التربوية "الوزارة وأجهزتها العلمية والتربوية" وبعد العناء تريد اصلاح الخراب بأسلوب قديم لم يعد مجدياً لا تتعدى آليته عن دورات وحلقات ودروس تدريبية روتينية ليوم أو ثلاثة أو عشرة لا تتمخض عنها النتيجة المطلوبة.. لماذا ؟. لانها قائمة على ترشيح المدرس أو المعلم جديد التعيين أو الذي يلتقطه تقرير إشرافي أو بسبب حصوله على درجة ضعيفة في امتحان الدورة المقامة لتأهيله أو تنشيطه.. وهنا تكمن المشاكل ومنها تستقى الحلول.
اذ ان هناك طرفاً خفياً "معطلاً" ربما يكون مفتاح النجاح المنشود.. ولا أبالغ ان قلت ان الاشراف التربوي والاختصاصي هما السبب، فعلى الرغم من كون الحل بايديهم الا انهم لم يحركوا ساكناً ولم يقدموا اي مقترح حقيقي لمعالجة المشكلة ويبدو إنهم عاجزون لانهم يعتمدون أسلوب المعلم والمدرس عينه الذي يطالبونه بتطوير نفسه والإحساس بالمسؤولية والوطنية.
هم يكتفون بذات الروتين: زيارة المدارس والصفوف وإعداد التقرير عن المعلم أو المدرس بانه جيد أو ضعيف في المادة وطريقة التوصيل للطالب أو ضعيف الشخصية، واحيانا لخلاف شخصي وهذا الأخير يحمي الضعيف الحقيقي وينتقم من النافع الملائم.
أما الدورات فهي تعتمد الدرجة التي ينالها الطالب في اختبار اليوم الأخير
أو تقرير المشرف.. ولكن !.
يحصل تضارب احيانا، فالمشرف يقول هو ضعيف والتدريب يقول انه ممتاز أو بالعكس.. وكلاهما محق !.. كيف ؟.
المشرف يعتمد اداء المعلم في الصف، والتدريب يعتمد الدرجة التي ينالها المعلم بعد الدورة.. فقد يحصل على 90 لكنه في الصف ضعيف أو العكس.
الحل يكمن في التنسيق وتغيير نمط الدورات لتشمل الجوانب كافة: الإحاطة بالمادة وقوة الشخصية والقدرة على التوصيل..وأهم من ذلك اقامة مراكز تدريب حديثة في العراق بالتعاون مع هيئات أوروبية وامريكية متخصصة تعمل على تأهيل الكوادر التعليمية باكملها خلال سنوات معدودة.. وإلا فالمستقبل مجهول.. ولنا وقفة أخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق