قد لا يكون خافيا على أحد أن المخدرات تجارة وتداولاً واستخداماً باتت من المسلمات البديهية في غالبية دول العالم، لدرجة أنها أصبحت من ضروريات الحياة فدخلت ضمن وصفات الأطباء العلاجية في بعض البلدان الغربية، يصفونها لبعض المرضى النفسيين ولبعض حالات الكآبة الشديدة وغيرها، وبات أمر الحصول عليها لا يحتاج إلى كثير عناء، فضلا عن تدني أسعارها نسبة الى أسعارها القديمة بسبب الوفرة والانتشار.
وفي بلداننا العربية والإسلامية ربما بسبب الضغط المجتمعي والديني والأسري والقوانين المشددة التي تصل إلى حد الإعدام تبدو المخدرات غائبة عن الحياة العامة مع أن انتشارها والتعامل بها لا يقل مستوى عن باقي البلدان ولكنها تتفاوت بين بلد وآخر فتنتشر في البلدان الفقيرة والغنية بشكل كبير وفي البلدان المتوسطة بشكل ملحوظ.
وفي العراق كانت المخدرات فاشية قبل التغيير وبشكل طاغ، ولكن التعامل بها كان يتم بسرية فائقة لأن القانون العراقي يحكم بالإعدام على التاجر والناقل والبائع والمستهلك مهما كانت الكمية التي يتم العثور عليها بحوزته، ومع أن الإحصائيات الخاصة أشارت إلى العدد الكبير من الذين ألقي القبض عليهم والكميات الكبيرة التي عثرت عليها القوات الأمنية إلا أن مجرد الحديث عن ذلك كان من الممنوعات التي يشدد عليها النظام لكي لا تتلوث سمعته في المحافل العربية والإسلامية بما لا يتناسب مع (الحملة الإيمانية) التي كان يروج لها إعلاميا ويعمل بخلافها على أرض الواقع. أما بعد التغيير الذي حصل في عام 2003 ولأسباب كثيرة غاية في الأهمية منها: دخول تنظيم القاعدة الإرهابي، وضعف الرقابة الأمنية بسبب انشغال قوات الأمن في متابعة العمليات الإرهابية وحماية المواطنين من شر الإرهاب، فضلا عن غياب منظومة الاستخبارات، وضعف الرقابة الأسرية والمدرسية، وانتشار ظاهرة البطالة، وضعف الوازع الديني، وفتح الحدود بسبب غياب قوات الحدود، وارتفاع عدد المناطق الساخنة التي يتعذر على قوات الجيش والشرطة الدخول إليها مما سمح لتنظيم القاعدة في تحويل الأراضي الصالحة للزراعة فيها إلى مزارع لأصناف من المخدرات لتمويل عملياته، وارتفاع نسبة تآمر البلدان المحيطة بالعراق، وتفشي حالة الفوضى الخلاقة التي أسهم المحتل الأمريكي في نشرها بين أطياف المجتمع العراقي، وأخيرا وليس آخرا حالة العداء الطائفي الدموي التي أباحت استخدام كل ما يلحق الأذى بالآخر حتى ولو كان منافيا للشريعة، أسهمت جميعها في اتخاذ الأراضي العراقية موطنا لزراعة وبيع المخدرات، وممر عبور لإيصالها إلى بعض البلدان المجاورة، فتحولت من قضية لا يجوز التحدث عنها إلا همسا إلى ظاهرة علنية معروفة ومشخصة منتشرة بين الشباب والأطفال ولاسيما في الأحياء الفقيرة، وبشكل إدمان فعلي في أعلى مراحله مما استوجب من الجهات الرقابية والتنفيذية ومنها القوات الأمنية والدوائر الصحية أن تولي اهتمامها الكبير للظاهرة بدرجة لا تقل عن درجة اهتمامها بالإرهاب، ومع تفاوت درجات الاهتمام بين محافظة وأخرى كانت مديرية شرطة محافظة واسط من الجهات السباقة في هذا المجال فقامت بعمل استباقي يمنع حدوث المشكلة أو تحولها إلى ظاهرة تخريبية، حيث قام مديرها العام اللواء حسين عبد الهادي بتشكيل خلية متابعة تأخذ على عاتقها متابعة كل ما له علاقة بالمخدرات ومروجيها ومتناوليها، وقام بالتنسيق مع صحة المحافظة لمتابعة الحالات التي تدخل المستشفيات، ومراقبة الأوكار والمقاهي والصيدليات غير المجازة والمروجين الآخرين، وبادر إلى عقد ندوات توجيهية بالتعاون مع مديرية الصحة وجامعة واسط وبعض المؤسسات الدينية مثل مؤسسة السيدة زينب للبحث عن حلول لهذه الظاهرة الطارئة على المجتمع الواسطي، والبحث عن طرق الوقاية منها برغم قلة عدد المتورطين في مثل هذه الأعمال في المحافظة. وقد أثمر هذا الجهد الاستباقي الرائع في الحد من انتشار الظاهرة التي لو لم تجد من يعالجها بهذا الشكل لكانت قد وجدت الأرض الخصبة للانتشار وتحولت إلى خطر داهم تصعب معالجته والتخلص منه.
واجد أن من واجبات حكومة المركز والحكومات المحلية أن تولي هذه الظاهرة من الأهمية ما يتناسب مع درجة تخريبها وبشكل لا يقل عن درجة الإرهاب تخريبا وعبثا، فمسؤولية حماية الشباب تقع على عاتق جميع الشرفاء.
صالح الطائـــي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق