لم يزل عالمنا المعاصر يعيش أزمة البحث عن الذات في وقت بدأت كتل القارات الأرضية تتراص في وحدات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، بينما العالم الثالث رغم ثوراته الربيعية المرتدة إلى أزمان سلفية يبحث عن موطىء قدم للعيش، ترى كيف يمكننا المضي قدماً في هذا العالم الهش الذي سيطرت عليه القوى العظمى وجعلته سوقاً استهلاكية ومختبراً للتجارب الفكرية والبايلوجية بعيداً عن ثقافته الرصينة التي أركنت جانباً في طيات الكتب الصفراء في عمق المكتبات وأعماق الذات العربية والاسلامية.
لقد أصبح عالمنا كالمنبتّ الذي لم يبق ظهراً يركبهُ ولاطريقاً يسير فيه كما تقول العرب في أمثالها المثيولوجية الدالة، وهنا الدلالة واضحة على ارتكاسة حضارية وعقم في الحوار ابعدها عن العمق المطلوب في الفهم والتقصي وصولاً الى مرحلة نضج نخبوية على اقل تقدير، يمكننا من خلالها إغناء متننا المعرفي الذي بات التصحر الشكل المهيمن عليه, ولابد والحالة هذه من العودة إلى أصل المشكلة التي تبدأ من الجهل بالشيء والتطرف في الأفكار والمعتقدات، والاعتقاد بأننا أصحاب الحق المطلق ودفع الآخر إلى الإيمان بأفكارنا وثوابتنا التي أقرت في كتابنا المقدس رفض هذه الطريقة المغالية، التي تقودنا إلى الخروج من دائرة الإيمان إلى الكفر.
وقد أعطى الله سبحانه وتعالى للإنسان حريته ليمارس حياته ويعتقد بأفكاره ولم يفرض عليه الإيمان عنوة, بل أنار له طريق الهداية وترك له حرية الاختيار (إنا هديناه السبيل اما شاكراً واما كفورا) [سورة الانسان الآية 3] و(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)،[سورة الكهف ,الآية 29] ولم يسمح الله حتى لأنبيائه أن يصادروا من الإنسان حرية رأيه واختياره فهم يعرضون رسالة الله على الناس من دون فرض إو إكراه ,حين نصل إلى هذه المرتبة القرآنية الحضارية نكون قد قطعنا نصف الشوط إلى المراتب التي رتبها الله لنا، ونحن نخوض غمار التجربة الإنسانية في حوار متواصل لاينقطع لأنه يوصلنا بالنتيجة إلى المنطقة التي قيض لنا أن نصلها بالفعل المتفتح المتحاور مع الآخر المختلف، الذي قد يأتلف معنا في حالة فهم أننا معه على الخط الانساني ذاته، الذي ابتعد عن منطقة اللاحوار والعنف, لذلك أقول ان الحوار يبدأ من الذات لينطلق إلى الآخر, هذا الآخر المشترك معي في التاريخ والجغرافيا والوطن والمصير ثم أسير باتجاه الآخر المهيمن بعلمه ومخترعاته واقتصاده وإعلامه الذي دخل في أدق خصوصيات حياتنا, هذا الآخر الذي ينبغي أن أحقق إنسانيتي قبل أن أدخل معه في جدل لا طائل منه. إنها دعوة للحوار مع الذات في عالم اختلف معنا حد العظم . لذا علينا أن نصل إلى هذه النقطة لندخل في حوار ناضج مع الآخر المختلف لنكون قد فتحنا الأبواب لرياح التغيير القادمة ونحن محصّنين بالنضج والانفتاح والتبصّر...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق