اصبح القانون يدخل في أدق تفاصيل حياة الانسان ولم يكن كذلك فيما مضى حيث لم تعرف الحياة القانونية في المجتمعات القديمة سوى من قبل سكان المدن واذا ما اصبح تضائل في الاعتبارات القانونية فأن اول المتضررين جراء ذلك هم عامة الشعب وليس صفوة الحكام والمتنفذين فهؤلاء تتم تسوية قضاياهم وفق ما يرغبون وربما يأخذون اكثر مما يستحقون سيما في دول العالم الثالث حيث يكون التعامل في مجال تنفيذ القانون عبر الوساطات والمال والجاه فيأتي دور التنفيذ الاعتيادي لنص القانون في درجة متأخرة ولا يحصل ذلك الا من قبل من حباهم الله بالقناعة وشرف التعامل بالحسنى مع الناس وهنا تكمن مشكلة المواطن عندما يتوجه نحو اخذه لحقوقه اتجاه الدولة
عبد الأمير محسن آل مغير
فالدولة العصرية اصبحت مسؤولة عن الانسان من المهد الى اللحد كما يقولون وهذا المفهوم اصبح شائعا حتى في ظل الانظمة الرأسمالية حيث نجد القوانين تنظم حياة الانسان منذ ولادته وحتى موته من حيث السكن وسبل العيش وتوفير الامان ولكن ذلك يكاد ان يكون معدوماً في نسب كبيرة من دول العالم الثالث بسبب التخلف الذي يسود هذه المجتمعات فلو قارنت بين ما يجري في أي دولة اوربية محدودة الموارد حاليا وبين العراق مثلا في مجال التأمين الصحي والتعليم ففي العراق تجد ما يعطى من جهد من قبل المؤسسات الصحية ومنتسبيها من اطباء وصيادلة وموظفي مختبرات يعطى بالدرجة الاولى للعيادات المسائية والعمل في الصيدليات والمختبرات وجزء يسير من الوقت يعطى للعمل في تلك المؤسسات الحكومية ويوظف قسم منه بدفع المراجعين الى تلك العيادات والصيدليات اما التعليم فأن من اعتادوا في فترة الحصار ان يتجهوا الى الدروس الخصوصية اخذوا يحترفون ذلك كجزء هام من مهمتهم الان ولا يستطيع ان يدفع اجور تلك الدروس الا ابناء الاسر الميسورة اما عامة الشعب فلا يعلم معاناتهم الا الله ولا يوجد مثلما ذكرناه عن العراق في أي دولة فقيرة في اوربا ووصل الامر بأن الدروس الخصوصية اصبحت تجلب الثروة وتبني الاملاك ومما يلفت انتباهك ان ظاهرة الرشوة اصبحت مبتذلة لدينا للأسف الشديد ففي باب المدير العام او معاون المدير في الوزارة عندما تدخل كمراجع يلوح لك من يجلسون في هذه الاماكن بما يتوجب ان تقدمه من هدايا او نقد ومثل هذا التصرف يمثل نوع من الانحدار في عدم الحياء وانحراف في القيم حيث يقول المثل العربي (الحاجب وجه السلطان ) ولا يمكن لمدير عام او محافظ او وكيل وزارة لا يستطيع ان يجد من هو حريص على ضمان سمعته وان ظاهرة الرشوة وكما هو معلوم لها عوامل عدة تتأثر بها كقلة الموارد المالية وتهاون رئيس الدائرة وفقدان المحاسبة ففي عام 1988 اتذكر انني اخذت معاملة مرفقة بكتاب من المحافظة الى وزارة الحكم المحلي وكانت معنونة الى مديرية البلديات العامة التي هي جزء من هذه الوزارة آنذاك وعندما حولت لمدير الاملاك قال لي بالحرف الواحد انني قد تم تسريحي أخيرا بعد ان خدمت (8) سنوات في خدمة الاحتياط ولا يمكن ان اسمح لك ان تستلم المبالغ النقدية ولا تعطيني منها ومثل هذا القول يجعلك في موقف محرج بين مبادئ اعتدت عليها وبين متطلبات انجاز عملك وكان المدير العام في البصرة يؤدي ما يسمى بالمعايشة فأخبرت معاونه الذي يقوم مقامه وكان رجل نبيل فقال انني سأمنحه اجازة غدا وارسل على من يقوم مقامه واخبره بأن ينجز مهمتي في اليوم التالي هذا المثال اوردته ليعطي صورة مما مر به مجتمعنا وبنظرنا اذا كانت الرشوة قد استشرت ابان فترة الحصار فهي تجري بعلم الحكومة ولعوامل اقتصادية اما الان فأن اهم عواملها اثار فترات الحصار والحكم الدكتاتوري والاحتلال ولم توضع الخطط التي تحد من هذه الظاهرة رغم المطالبات من قبل جهات ثقافية واجتماعية عدة والمشكلة بنظرنا ان بعض كبار الساسة في مجلس النواب يعطون في تصرفهم قدوة سيئة يقتدي بها من قبل الموظفين السيئين في ابتزاز الناس فالقانون وكما ذكرنا هو الوسيلة التي توصل المواطن الى حقه ولا ينقص ذلك المواطن في حقيقة الامر سوى مصدر العيش والسكن وفي محافظتنا وبعد صدور قوانين احتساب فترة العقود في الدوائر الحكومية لمن ثبتوا من الموظفين كخدمة فعلية ورغم ان الدولة مسؤولة وعلى اقل تقدير ان تزود المواطن بقطعة ارض وسلفة عقارية لبناء دار له الا ان وزارة البلديات اصدرت تعليمات استنادا الى نصوص قانونية بشمول موظفي الدوائر بقطعة ارض اذا ما بلغت الخدمة الفعلية للموظف خمس سنوات فأمتنع مدير مكتب المفتش العام لوزارة البلديات في المحافظة بتطبيق هذا النص معتبرا ان فترة خدمة العقد لا تدخل ضمن ذلك الاشتراط وقد فاتحت المحافظة الامانة العامة لمجلس الوزراء لبيان رأيها فأجابت ان الموضوع متروك لتقدير المحافظة وهذا واضح ان المحافظة لها سلطة تقديرية وهي مخولة بذلك الا ان تلك المحافظة لم تتجرء بإعطاء رأي صريح في هذه المسألة وهو ما يحقق العدالة فعلا وتبين بان ما يراد تكريسه هو توزيع القطع السكنية لمنتسبي دوائر البلديات وكبار الموظفين فقط حتى ان منتسبي تلك الدوائر اصبحوا كموظفي الاجهزة الامنية في عهد صدام يستلمون القطع ويقومون ببيعها كما ان شرائح عامة وكبيرة من المجتمع لم تعالج قضاياها بالسرعة المطلوبة كأسر الشهداء والمتضررين جراء العمليات الارهابية وقد وضعت مسودة قانون الضمان الاجتماعي لتعالج كافة هذه المسائل من حيث توفير الراتب التقاعدي وتأمين السكن وتوحيد مجهود الضمان لدوائر عدة تقوم بهذه المهام كدوائر التقاعد والضمان الاجتماعي الا ان مغرضين لا يريدون للحكومة ان تنجح في مهمتها موجودين في مجلس النواب يقفون للحيلولة دون اصدار مثل هذه القوانين خشية ان تحتسب منجزا لها كما يقولون والاولويات المطلوبة من الدولة في مقدمتها احتياجات المواطن الاساسية ثم الخدمات ثم حملة الاعمار واساليب المماحكات السياسية اثرت على كافة هذه المسائل واصبح ما يتوجب تقديمه للمواطن يكون محل حساب من قبل الساسة لما يؤمن توظيفه كمكسب او تقديم الدعم لأتباعهم والجميع يعلمون ما تعاني منه الدولة حاليا من ابواب الصرف الهائلة سيما على صعيد توفير الامن ودعم القوات المسلحة فيبدو ان هناك قوى اقليمية ودولية تقف حائلا امام تخطي العراق الجديد للعقبات الموضوعة في طريقه لتبقي شعبه فقيرا وامكاناته وعلى كافة المستويات دون المستوى المطلوب واحيانا تصدر قوانين غاية في الغرابة فالحقوق التقاعدية لا يمكن ان تربط بقانون الموازنة حيث ان تلك الحقوق تتطلب الاستقرار لتأمين معيشة اسر في حين ابواب الموازنة معرضة للتعديل حسب طبيعة الصرف الذي تتطلبه مسيرة الدولة ومع هذا نجد ان مجلس النواب اصدر المادة (40) من قانون الموازنة العامة لسنة 2012 بإيقاف صرف الرواتب التقاعدية للمشمولين بالتعديل رقم (15) لسنة 2010 لقانون المحافظات رقم (21) لسنة 2008 والمشمولون بهذا التعديل هم من شرائح متعددة فمنهم من لديه خدمة (35) عام وشمل بهذا القانون وتم تعديل راتبه التقاعدي وفق ذلك وكان التبرير لذلك الايقاف بأن هناك عمليات تزوير يراد تمحيصها ولم يكن هذا المبرر سوى نتيجة لأساليب ملتوية سادت اوضاع مجلس النواب حيث ليس من العسير فرز الاضابير المزورة فالجميع يعرف تماما ان التزوير في هذا المجال يتأتى من تأييد مستمسكات لا اساس لها تصدر من مجالس المحافظات وقبولها من قبل الهيئة الوطنية للتقاعد دون تدقيق وكان باستطاعة تلك الهيئة ان تشكل لجنة مركزية ولجان فرعية بالمحافظات لتفرز المعاملة السليمة عن المزورة دون اللجوء الى ايقاف مصادر ارزاق الناس ويبدوا ان العملية برمتها ورائها اهداف سياسية فقد اطلقت تلك الرواتب بعد الاعلان عن انتخابات مجالس المحافظات كدعاية انتخابية على ما يبدو وكما فعل صدام عندما سلم مدينة الفاو ثم استرجعها ليسمي نفسه بقائد التحرير ولكن بعد اطلاق تلك الرواتب حصل بصددها رأيين فيقول اعضاء مجلس النواب انهم طلبوا من الهيئة الوطنية للتقاعد التدقيق بمعاملات من يرومون الشمول بالحقوق التقاعدية وفق ذلك التعديل حاليا أي ذوي المعاملات الجديدة وليس المشمولون بتلك الحقوق سابقا في حين عمدت الهيئة الوطنية للتقاعد بأتباع اجراء يثير السخرية حيث اصدرت تعليمات تتضمن الطلب من كل مشمول بهذا التعديل ان تأتي موافقة عنه من المسائلة والعدالة والهيئة العامة للنزاهة والادلة الجنائية والرقابة المالية ولا يمكن لعاقل ان يمنح حقوقا تقاعدية للمواطن ثم يأتي بعد ذلك ليدقق ورائه وهكذا فان هؤلاء المتقاعدين لا يمكن ان يستلموا رواتبهم التقاعدية الا بعد مرور فترة طويلة وقد مر على ايقاف تلك الرواتب اكثر من سنتين وذهب الاخضر بسعر اليابس كما يقولون بسبب اساليب لا علاقة لها بالقانون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق