الخميس، 23 يونيو 2016

تقاطع المصالح

عادة ما تكون العلاقات الاجتماعية عاكسةً لفكرٍ مشترك يجمع بين أفرادها مهما اتسعت مساحتها وتنوعت مصالحها العامة ما دامت المصالح تتحرك ضمن المنظورين الفكري والقيمي الجامع بين الاطراف.. أخوة الفكر يفترض أن تكون علاقاتهم راسخة ما دامت مصالحهم خاضعة لفكرهم.. هذا من الناحية النظرية غير أن بعض التجارب كشفت عن وجود تقاطعات حادّة بين أبناء الفكر الواحد مما يشير الى ان الفكر لم يكن الجامع بينهم بل المصالح الشخصية وليست العامة والعواطف الذاتية المجردة هي الجامعة.. كما أنّ التقارب الشديد بين الابعدين بالفكر يطرح هو الاخر دليلاً بما لا يدع مجالاً للشك من أن دوافع العلاقة لم تكن مبدئية!!
في اجواء الأزمات والإغراءات تتكشف ولأول مرّة حقيقة الدوافع التي عادةً ما تكون مخفيةً في غير أجوائها.. التقارب المصلحي حين يتعارض مع فكر الانسان وقِيَمِهِ تكون خارطة تعامله بل علاقاته خاضعةً لتلك المصالح وتكون خطوط الاقتراب والابتعاد مرسومةً على ضوء تلك المصالح الشخصية لا غير..
الاصطفافات في أجواء الراحة وحتى في المواجهة مع العدو تفرز تراتبية مختلة عن تراتبيات المحن وشراء الذمم وكسب المواقع..  الانسجام مع الافكار والقيم تجعل الأعمق فكراً والأوسع ثقافةً يتقدّم على أقرانه ممن هو أقل عمقاً بالفكر وأضيق ثقافةً بالسعة.. كما أن الاكثر تضحيةً يتقدّم على الأقل تضحية.. وأن المعنيّين بذات الفكر وذات القيم يعكسون ذات السلوك وهم منسجمون في مواقفهم مع مكوناتهم الداخلية لكن أجواء المحن وظروف الإغراءات تجعل المبتلين بها على المحك فمنهم من يواصل ومنهم من يتراجع بل قد يتحول بعضهم من اصطفاف الولاء الى اصطفاف العداء حين تتعارض مصالحهم مع الاخرين رغم ما يجمعهم من فكر ويظمّهم من تنظيم والأنكى من كل ذلك هو الاقتراب من صف الابعدين وفق المصالح رغم تقارب الفكر!! وهو ما يفسّر نظرية "التنافر لتقاطع المصالح".. مما تؤدي الى بروز ظاهرة أصدقاء اليوم أعداء الامس وأعداء اليوم أصدقاء الامس.. الافكار لا تتبدل وبالتالي لا يترتب عليها تبدلٌ  في العواطف على خلاف العواطف السطحية التي تعكس عدم رسوخها على قاعدة الفكر مما يجعل مسار الشخصية متذبذباً بمقاسات العاطفة والارتجال..
تبدو "الظواهر الموجيّة" في التعامل السلوكي أحياناً طبيعية في مراحل العمر الاولى التي تكشف عن خلوّها من الخبرة لكنها ليست كذلك مع تقادم الزمن وتوالي التجارب..
يقول أمير المؤمنين عليه السلام : "أحبب حبيبك هوناً ما ، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما ، وابغض بغيضك هوناً ما ، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما" على أن صحبة التطابق غير مطلوبة وغير ممكنة لتحقيق الانسجام وحفظ العلاقة على طول الطريق.. انما المطلوب هو الانسجام فيما يتفق عليه والتكيّيف أو التحمل فيما يختلف عليه ومن الطبيعي أن تتعدد أعماق العلاقة على قاعدة الصدق والصراحة فيما يتفق وما يختلف..

http://beladitoday.com/?iraq=%CA%DE%C7%D8%DA-%C7%E1%E3%D5%C7%E1%CD-&aa=news&id22=64326

    
مقالات للكاتب د . إبراهيم الجعفري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق