خمسة ألوية عسكرية تحيط بمحافظة أبين من جميع الجهات، لكنها فشلت في القضاء على 300 مسلح أطلقوا على أنفسهم "أنصار الشريعة" تسببت سيطرتهم بنزوح وتشريد 129.211 مواطن من مناطقهم التي تسودها المواجهات ودمرها القصف. في هذا التقرير تنشر "أخبار اليوم" ما لمسته في زيارتها ضمن فريق قافلة الحرية لمدينة "زنجبار والكود ودوفس وجعار"، والأخيرة وحدها ما يزال فيها بقايا من السكان، فيما تخلو الأخريات من ساكنيها، الذين اضطروا للهروب من الموت بعد أن عجزت رصاصات بنادق التواقين للقتل عن إيجاد الضحية لممارسة لهوهم اليومي في إراقة الدماء دونما سبب يذكر..
بوسع اي احد ملاحظة ذلك فور وصولك إلى مخيمات النازحين أو مناطق تمركز المسلحين، ففي الوقت الذي يعاني فيه النازحون في المخيمات من نقص في المواد الأساسية كالغذاء والدواء وغيرها، تجد المسلحين وهم يمنحون المعونات الغذائية إلى من تبقي من سكان مدينة جعار بما يفوق احتياجاتهم. يبدو الأمر مثيراً للغاية وأنت ترى النازحين وهم كطابور متعرج في انتظار صرف المعونة الحكومية التي تأتي على رأس كل ثلاثة أشهر، في حين يتلقى المسلحون مخصصاتهم اليومية التي تكفي لسد رمق سكان مدينة جعار بأكملها."
حظر أمني
بقبضة حديدية يدير المسلحون المناطق الخاضعة لسيطرتهم، فيفرضون العقوبات ويقيمون الحدود على من يخالفهم أو يمتنع عن تنفيذ قراراتهم. وعبر مكبرات الصوت المحمولة على عدد من السيارات يتم مناداة أهالي جعار لأداء الصلاة، ويتم اعتقال من يتجول في الشارع أو يستمر في البقاء في حانوته أثناء وقت الصلاة، يحدث ذلك في الوقت الذي لا يلتزم فيه بعض المسلحين بأداء الصلاة، وذلك ما لاحظه ـ كاتب السطور ـ ومعه أعضاء قافلة الحرية في المسلحين الذين قاموا بمرافقتنا أثناء زيارتنا لمحافظة أبين. ويقوم المسلحون بتنفيذ عقوبة الإعدام على من لا يؤدي فريضة الصلاة جماعة في المسجد ويكون ذلك في المرة الثالثة، وقبلها يكون معرضاً في المرة الأولى إلى الاعتقال والحبس لمدة أسبوع، ثم الاعتقال لمدة شهر، لمن يشاهدونه في الشارع أو في المتجر أثناء الصلاة. ويقوم عدد من المسلحين بتسيير شؤون مدينة جعار ـ ثاني أكبر مدن محافظة أبين ـ عبر تمركزهم في المباني الحكومية والقضائية والأمنية وغيرها باستثناء القصر الجمهوري الذي لم يقم المسلحون حتى بمحاولة التفكير بالسيطرة عليه وهو ما يثير الاستغراب فعلاً، خصوصاً بعد أن تحاشى الكثير من المسلحين الحديث حول ذلك، فهل هناك حضر أمني مخابراتي على قصر فخامته. يعمد من يسمون أنفسهم بـ"أنصار الشريعة" إلى منع الاختلاط بالنساء وإلزامهن بالبقاء في البيوت وعدم الخروج إلا للحاجة الضرورية، ويعتدون بالضرب على بعض المواطنين ونهب ما بحوزتهم لمجرد الشك في ولائهم أو ارتكابهم لمخالفة ما.
كهرباء مجانية
على مدى عام كامل فرض النظام البائد حصاراً شاملاً على اليمنيين وذلك بهدف إجهاض الثورة الشبابية، وكانت من وسائله قطع التيار الكهربائي والمياه وانعدام المشتقات النفطية والغاز المنزلي وغير ذلك، ولكن عقوباته الجماعية التي امتدت إلى مختلف أرجاء اليمن استثنت معقل ما يسمى بـ"أنصار الشريعة". سألت أبأ حمزة الزنجباري" ـ والذي يحمل صفة أمير ولاية أبين ـ واسمه الحقيقي جلال بلعيدي ـ فأجاب:"تمكنت عبر علاقاتي من توفير الكهرباء لمدينة زنجبار وبشكل مجاني، وبدون أي انقطاع يذكر". المحطة الكهربائية بمدينة عدن هي من تزود ساكني مدينة جعار بالتيار الكهربائي، والذي كان ينقطع لفترات طويلة في اليوم والليلة عن سكان مدينة عدن طوال العام المنصرم. يعتمد المسلحون في مدينة جعار ـ كبرى مدن المحافظة ـ بشكل أساس في عمليات التنقل على السيارات الحكومية وسيارات الجيش. ويفيد أهالي المنطقة أن تلك السيارات لم تكن في حوزة السلطات المحلية فيما سبق، وانهم لم يشاهدونها من قبل، بل ظهرت عقب سيطرة المسلحين الذين ادعوا أنهم غنموها من داخل المحافظة. ويعتمد المسلحون على المحكمة في التقاضي كأعلى سلطة في المدينة، وفيها يمارسون أحكامهم المخالفة للقانون، وتختلف عقوبة الجريمة الواحدة من وقت لآخر كما أكد بعض الأهالي. ويطلق المسلحون على من التحق بهم من سكان مدينة جعار "الأنصار"ويحرصون على استقطابهم للزج بهم في الصفوف الأولى أثناء الاشتباكات العنيفة، وكجواسيس في حال عدم وجود اشتباكات، مع سحب الأسلحة منهم ورصد تحركاتهم. يقوم المسلحون بإجبار سكان جعار يومياً على حضورهم برامجهم التوعوية بهدف تعبئتهم بالأفكار والمعتقدات التي يؤمنون بها، ومنها مشاهدة صور حية للمعارك الدائرة هناك. وتعد مدينة زنجبار ـ عاصمة المحافظة ـ والتي لازالت حتى اليوم خالية تماماً من السكان منذ أن سيطر عليها ما يسمى بـ "أنصار الشريعة" في 27 مايو 2011م ـ تعد الأكثر تضرراً جراء أعمال القصف التي استمرت قرابة 8 أشهر. تليها منطقة "الكود" ـ الواقعة حالياً على خط التماس والتي كانت ولا زالت شاهدة على أشرس المعارك بين الجيش ومسلحي ما يسمى بـ "أنصار الشريعة" ـ مما ألحق دماراً شاملاً بمنازل وممتلكات المواطنين، وأضراراً جسيمة بالخدمات والمشاريع العامة.
الستلايت فسق وفجور
يؤمن المسلحون أو من يطلقون على أنفسهم بـ "أنصار الشريعة" بأن أجهزة الستلايت هي فسق ورجس ويعاقب من يقوم باستخدامها بالجلد والاحتجاز وتتعرض أجهزته للحرق والإتلاف. ويحظر المسلحون سكان المدينة من تعاطي القات وشرب الدخان، في حين يتعاطى الغالبية منهم حبوب الدزبام والبلاتين والرستل، يقول الإيهم الأنصاري: "مش عارف هل سأتمكن من التخلي عن ذلك أم لا، ولكنها تزيد حماسي وتثبتني وأنا في أرض المعركة بل إنني أكون في الصف الأمامي، ولهذا هي عامل مساعد للصمود". ويصف المسلحون حزب الإصلاح بالعميل للأميركان ويتهم أعضاءه وقياداته بالخروج عن الملة، في حين يتهمون الحزب الاشتراكي بالإلحاد والماركسية وحزب المؤتمر الشعبي العام بالعلمانية، لكنهم يقولون إن الأخير أثبت خلال السنوات الماضية من حكمه أنه أقل عمالة لأميركا من الأول والثاني. ويؤكد المسلحون بأنهم لا صلة لهم بتنظيم القاعدة، ويقولون بأنهم لا يتفقون معهم إلا في قضية واحدة هي الجهاد المسلح. وينظر المسلحون إلى الأميركان والحوثيين بأن كليهما خطر على الأمة ويتهمونهم بالقتال إلى جانب اللواء 25 ميكا. يرتدي المسلحون نوعين من الأزياء فمنهم من يرتدى الزي الأفغاني ويحمل مسدسين في وسطه الأيسر والأيمن ـ بمعنى آخر ـ أشبه برعاة البقر الأميركان، فيما يرتدي الآخرون الزي التقليدي لساكني صنعاء ويلتف حول خصرهم العسيب والجنبية. أغلب المسلحين القادمين من خارج المحافظة هم من ساكني "حي مسيك ومنطقة سواد حنش" بالعاصمة صنعاء، إضافة إلى أعداد قليلة من خارج اليمن، وتتوسط أعمار أغلبهم بين العشرين والرابعة والعشرين، ويبلغ سن ما يطلق عليه بـ"أمير ولاية أبين" حوالي 32 سنة، وتفيد معلومات الصحيفة أن أكثر من نصف المسلحين كانوا مسجونين قسرياً أو بتهم كيدية تتعلق بالقاعدة، في جهازي الأمن القومي والأمن السياسي، وقبل منتصف العام الماضي بفترة قليلة تم الإفراج عنهم، مع أن العديد منهم صدرت في حقهم أحكام قضائية تنص على عقوبة الإعدام.
بلادي اليوم / متابعة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق