في 30 حزيران يكمل الرئيس المصري عامه الاول في السلطة، وبالمناسبة تحتشد “المعارضة” تحت لافتة حركة “تمرد” الشبابية لاقامة اعتصامات والمطالبة “برحيل الرئيس”، فيما يرجح ان يخرج الاخوان وحلفاؤهم الى الميادين لتأييد “النظام” ودعمه.
المصريون - بالطبع - يقفون على “قدم واحدة” بانتظار اليوم الموعود، وهواجس الصدام والعنف حاضرة في البال ومتوقعة، لكن يبقى السؤال المهم هو: ما الذي دفع هؤلاء الى “الانقلاب” على نظام انتجته الثورة وافرزته الصناديق ؟ هل هي الخصومة السياسية التي جمعت “الخاسرين” في الانتخابات ما تبقى من اركان النظام السابق ودفعتهم الى تصفية حساباتهم مع “الاخوان” تحديدا والاسلاميين عموما؟ أم ان أخطاء “مرسي” وجماعته هي التي احبطت “ابناء الثورة” وحركتهم للدفاع عنها واعادتها الى السكة الصحيحة أم ان وراء هذا التحشيد “جبهة” من الداخل والخارج هدفها “اجهاض” الثورة وتحطيم مصر واقصائها من مكانتها ودورها واعادتها للوراء؟
كل ذلك وارد، لكن “الثغرة” الاساسية التي سمحت لحركة “تمرد” ان تتغلغل في أوساط الناس وتحشدهم لمواجهة “مرسي” في عيد رئاسته الاولى واضحة تماما، وهي أخطاء “النظام” الجديد، وعدم قدرته على حمل “حلم” الثورة وانجاز ما يطمئن المصريين على انها ما تزال بخير، والأخطاء هذه يتحمل وزرها الرئيس وطاقم رئاسته اولا، وثانيا جماعة الاخوان المسلمين التي يفترض ان تكون “مرجعيته” وثالثا عناد المعارضة وتهورها واستعجالها “بالمفاصلة” مع الاخوان على حساب مصلحة مصر، ومصلحة ثورتها ايضا.
لا يمكن المقارنة - هنا - بين أخطاء مرسي ورؤساء مصر السابقين، فما فعله عبدالناصر والسادات ومبارك بحق المصريين يبدو حتى بمقاييس “تمرد” ومن يقف وراءها فادحا، لكن هذه المقارنات تبدو اليوم خارج اطار دورة التاريخ، فهؤلاء كلهم لم تفرزهم “ثورات” ولا صناديق، ربما افرزتهم أحلام وصفقات أو نزلوا “بالبرشوتات” لكن “مرسي” جاء في لحظة خاصة، اكتشف فيها المصريون ان ساعة “التغيير” دقت، وان شرعيتهم التي منحوها لمن سبقه سقطت، وان ارادتهم - وحدها - يجب ان تكون “الحاكمة”، ربما غاب عن “الاخوان” ورئيسهم ان يتعاملوا مع هذه “اللحظة” كما يجب، أو ان يقدروا حساباتها بعيدا عن الاستحواذ بالسلطة، والارتباك في الاجراءات والمقررات، والعجز عن قراءة “الصورة” بعيون “الجماعة الوطنية” لا بعيون “جماعة الاخوان” فقط.
هنا - عند الجملة الاخيرة - يسقط الاخوان في الامتحان، سواء في تجربة الحركة “والتنظيم” أو في تجربة “الحكم والنظام”، ولو قدّر للرئيس مرسي ان يصغي لنصيحة “مانديلا” التي ابرقها اليه في رسالة حين تسلمه السلطة، لتجنب هذه “المواجهة”، فقد قدم له اربع نصائح، اولها ضرورة الاجماع، صحيح انه صعب وعزيز في لحظات التحول الكبرى لكنه يعصم من الزلل ويقي من ضياع الفورة الثورية في المعارك الجانبية التي لا تقدم البلاد، وثانيها الاعتماد على قوى الثورة الحقيقية، وثالثها احتواء النظام القديم وآخرها تصحيح البدايات.
مشكلة “الاستحواذ” على السلطة، دفعت مرسي ومستشاريه الى تغييب مبدأ “الاجماع” الذي كان يمكن ان ينزع من أيدي “خصومه” الذين يكرهون الاخوان أكثر مما يحبون الثورة فتيل “التمرد” كما دفعتهم الى الاعتماد على قوى لم تلد من رحم الثورة، مما اغاظ واحبط آباء الثورة وابناءها عليهم، وبدل ان يستوعبوا “جحافل” المنافقين والمبتزين وأصحاب المصالح من النظام القديم ومن يدور في فلكه، ذهبوا لمهاجمتهم، متناسين - كما قال مانديلا - ان قوتهم تجلت في تصويتهم لاحمد شفيق الذي كاد ان يظفر بالرئاسة.
مهما تكن الأسباب، ومهما تكن نتائج 30 حزيران وما بعده، سيكتشف المصريون كلهم انهم اضاعوا “عامين” وأكثر في الصراع والاشتباك، وان المماحكات والحسابات الصغيرة اشغلتهم عن الاجابة على سؤال “المصير” الكبير: مصير مصر ومستقبلها، لكنهم - بالتأكيد - سيكتشفون ان “الحل” في التوافق والاجماع، وان التجارب “المرّة” قد تكون احيانا ضرورية لتلقي ما يلزم من دروس وعبر.. لكي يتعلموا منها.. ونتعلم نحن منها أيضا.
مقالات للكاتب حسين الرواشدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق