الأربعاء، 20 مارس 2013

مئة عام من الحوار


على غرار الرواية العالمية لجابرييل جارسيا ماركيز «مئة عامٍ من العزلة»، يبدو أن البحرينيين سيواجهون مئة عامٍ من الحوار الذي يبدو أنه لن يتمخض عن شيءٍ ذي قيمة! وفي حين عبّرت الرواية عن تطور ثقافي وتجربة إنسانية فريدة لمجموعة فُرضت عليها عزلة جغرافية لأسباب معينة، إلا أن التورط في حوارٍ لمدةٍ زمنيةٍ طويلةٍ حول أمر معين لا يُعد تطوراً ثقافياً ولا إنسانياً لغياب ثقافة الاتفاق، وحلول المناكفة بديلاً لها.
والمتكئ على عذر الاختلاف المذهبي لتبرير انعدام التوافق والريبة بين الطرفين، لا يسعنا إلا أن نلقي له الهند مثالاً، فقد تمكنت بعد استقلالها عن بريطانيا العام 1947 عبر حركة واسعة من المقاومة المدنية غير العنيفة من الخوض في تجربة ديمقراطية فريدة برغم وجود ثماني ديانات رئيسة على الأقل يتبعها السكان، هي الهندوسية والبوذية والجاينية والسيخية والزرادشتية واليهودية والمسيحية والإسلام.
عدا الدين فإن عدد السكان الهنود يبلغ قرابة الملياري نسمة، إلا أن كل ذلك لم يمنعهم من التوافق فيما بينهم وممارسة الديمقراطية واختيار ممثليهم في السلطة من دون تعصب إنساني ضد أحد، والغريب أننا لا نتجاوز في العدد المليون، ولا نتمتع بتعددٍ يُذكر للديانات، وبرغم ذلك قد يحتاج توافق البحرينيين فيما بينهم إلى مئة عام على حد تصريح أحد أعضاء ائتلاف جمعيات الفاتح.
ممارسة الديمقراطية ليست في حاجة إلى توافق، فهي أسمى أشكال الاحترام الذي قد توفّره أية سلطة لصوت الشعب، وهي التمثيل الحقيقي للكم الهائل من التصريحات والإعلانات الدعائية عن الديمقراطية المفترضة، وتحويلها إلى حقيقةٍ على أرض الواقع. والمراوحة بين الحوار والتأزيم لن ينقل البلد إلا لعنق الزجاجة الأضيق. والوضع لا يحتاج إلى مزيدٍ من التصريحات الانفعالية واستعراض للقوة من بعض الأطراف التي من مصلحتها استمرار الوضع الحالي.
الحوار الفعّال لا يتجاوز إرادة أحد طرفيه، ولا يقفز على مطالب أحد، ولا يُصادر حق طرفٍ في طرح رؤيته ومناقشتها، فالأصل في الحوار هو مناقشة كل ما يمكن أن يكون سبباً للاختلاف والتوصل لصيغة مرضية بشأنه، لا استبعاده ومنعه، لأن ذلك لا يمكن أن يطلق عليه حوار توافق بل حوار تنافس يقصي فيه طرفٌ الآخر ويستحوذ به على ما يريد.
إننا نأمل أن تكون أطراف الحوار ممثلاً حقيقياً لإرادة الشعب الذي يطمح بلا شك للتحول الديمقراطي وممارسة حقه بالقانون والدستور، وأن يكون فعالاً في تطوير حاضره وصنع مستقبله عبر أدوات سياسية تعطي للمواطن الحماية التي يضمنها ويوفّرها له الدستور إن تم تفعيل كل بنوده.
إن مسؤولية المتحاورين اليوم تنحصر في التوصل إلى أقصى ما يمكن للمواطن الحصول عليه. إنها مسؤولية تاريخية ستحاكمنا عليها الأجيال المقبلة فعلياً ومعنوياً، وسيوثق تاريخ البحرين من وقف مع مصلحة الشعب العليا ومن وقف من أجل مصلحته وحده ضد مصلحة الشعب. الأجيال المقبلة لن يرعبها البعبع الذي تخرجه بعض الأطراف لإبعاد البعض عن المطالبة بحقوقهم. وأجيال الغد نرجوها أكثر وعياً من سابقتها، وأكثر تعبيراً عن المواطنة الحقيقية فقط من دون تفاصيل.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق