الخميس، 25 أبريل 2013

مهرجان المربد العاشر… البحث عن كنز مفقود


انطلق مهرجان المربد العاشر في الثالث والعشرين من شهر نيسان 2013، وبمناسبة انعقاد هذا المهرجان تحت عنوان «دورة الشاعر محمود البريكان»، يحق لنا أن نكثف الأسئلة عن مصير نتاج الشاعر محمود البريكان الإبداعي الذي ضاع واختفى بعد مقتله البشع في الأول من آذار 2002 بنهايته المأساوية غير المتوقعة، فمن هو المسؤول عن البحث عن هذا النتاج الضائع؟ وكيف يمكن تفعيله بالاتجاه الذي يضع تجربة هذا الشاعر في مكانها الحقيقي؟
كان الشاعر محمود البريكان ذاتا منفتحة ومتسائلة على فضاءات كونية لا قرار لها، ولم يلتفت إلى حياته الخاصة، وقد تجلى ذلك في عدم حرصه على نشر نتاجاته الإبداعية وقت تأليفها لتكون شاهدا إبداعيا له ولمدينته، الأمر الذي جعل شعره محط تساؤل في مدى جدته وأصالة الإبداع فيه، لأنه نشر نتاجه في وقت متأخر نسبة إلى زمن كتابته ونسبة إلى بدايات هذا الشاعر الذي أسهم في إضرام نار الحداثة الشعرية العربية كما يجزم معظم الكتاب الذين تناولوا نتاجاته القليلة التي نشرها بمحض إرادته مما أحدث فجوة بين ما تحقق فعلا في الساحة الشعرية العراقية والعربية من تطور في الأشكال الشعرية وبين ما نشره الشاعر البريكان من قصائده التي كتبت في أوقات لم يشر لها.
إن البحث الجدّي عن شعر البريكان المفقود يمثل بحثا عن خزانة شعرية وتتويجا لقامة شعرية باسقة، وهو مشروع ينبغي أن يحظى بدعم حقيقي من قبل المسؤولين في محافظة البصرة والاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق وجميع الأدباء والمثقفين العراقيين.
كما ينبغي على الجهات الثقافية المهتمة بالثقافة العراقية أن تستثمر انعقاد مهرجان المربد لتجمع قصائده المنشورة وغير المنشورة في كتاب تنشره وزارة الثقافة بعد توجيه دعوة لجميع الأدباء والكتاب والمثقفين ممن يحتفظون بقصائد غير منشورة للشاعر لتسليمها إلى الجهة الثقافية التي تعيّنها الوزارة أو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق كي نحفظ تراثه من الضياع والتشرذم ولنوفر فرصة للأقلام الجادة في دراسة شعر هذا الشاعر وإيضاح مكانته في الشعر العراقي والعربي على وفق مستجدات النظرية النقدية ولاستكناه أشكاله الجديدة والمبتكرة وعلاقتها بعالمه ووجهات نظره في الحياة والشعر.
ويمكن لهذه القراءات أن توثق علاقة شعره باهتماماته البالغة بلغة الموسيقى التي تحدث عنها معظم أصدقائه بإسهاب دون أن تجد لها حيزا واضحا في القراءات النقدية التي كتبت عن شعره ولعل ذلك سيكشف جانبا إبداعيا في هذه التجربة المغدورة.
لقد كان الشاعر محمود البريكان غائبا عن الساحة الثقافية وهو حي، وكان ذلك بمحض خصوصياته وقناعاته لكن حدث مقتله بالصورة البشعة وتغييبه قسرا عن الحياة، تضع جميع المثقفين العراقيين أمام مسؤولية أخلاقية وأدبية مباشرة للبحث عن تراث هذا الشاعر الكبير، وجمعه ونشره باعتباره إرثا ثقافيا لنا جميعا… وهو إرث شاعر كان يردد «إن الشعر جدير أن تكرس له حياة كاملة»، الأمر الذي يعني وجود خزانة من شعره المفقود أو المغيب عمدا، فقد كانت حياة هذا الشاعر مكرسة للشعر فعلا.
ستكون دعوتي هذه لسانا ناطقا للبحث عن جبل الثلج العائم –كما وصفه أحد أصدقاء الشاعر- الذي حجبه الشاعر في حياته وتسلطت عليه قوى مجهولة بعد مقتله ليتسنى للنقاد والباحثين استقراء عالمه باعتباره تجربة شعرية ثرية وحافلة بالجديد والمدهش.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق