الاثنين، 5 مارس 2012

رحيل المقاولات الفرنسية نحو الخارج ..هل هو قدر محتوم ؟

متابعة بلادي اليوم لا يحصرُ المراقبون الاقتصاديون مشكلة تراجع الحركة الصناعية في فرنسا في رحيل المقاولات نحو وجهات أخرى من العالم، ويقدمون مثلا على ذلك ألمانيا، النموذج الاقتصادي الذي ينال تقدير السياسيين الفرنسيين،سواء منهم الموجودون في الحكم أو في المعارضة، يرى هؤلاء أن المقاولة المحلية لم تستطع أن تطور نفسها في سوق المنافسة الصناعية العالمية،وهو ما كان له الأثر الكبير على عائداتها، لتجد نفسها أمام حلّين لا ثالث لهما،إما الرحيل نحو بلد آخر لا يكلف آلتها الإنتاجية الشيء الكثير مقارنة مع ما تدفعه في فرنسا أو أنها تغلق أبوابها للأبد الخبير الاقتصادي كميل ساري يحدد صنف المقاولات التي تتوجه نحو الخارج في الشركات الكبرى أو ما يعرف بالمتعددة الجنسية،لأن الشركات المتوسطة،برأيه،في عمومها لا يكون أصحابها مستعدين لخوض تجربة الغربة مع عائلاتهم،أما المجموعات الكبرى فهي توظف من يسيرها دون أن يتنقل مالكوها إلى عين المكان و يقسم الساري رحيل المقاولات إلى الخارج إلى نوعين،هناك شركات "توقف حركتها الإنتاجية بالمرة في فرنسا و تتجه نحو بلد آخر حيث تكلفة الإنتاج منخفضة"،و الثانية بالنسبة له،تلك التي "تحوّل جزء من أنشطتها الصناعية نحو الخارج،وهو عامل للتنمية سواء في فرنسا أو في البلد الذي يستقبلها ،و ينظر ساري إلى المسألة بمنظور حتمي.فهو يقول في حديث لإيلاف،"لا يمكن فعل أي شيء تجاه الظاهرة،و السياسيون الذين يقدمون وعودا بهذا الشأن سواء كانوا من اليمين أو اليسار،فهي فقط للاستهلاك الانتخابي،لأنه وضع يفرضه اقتصاد السوق.،بحسب قراءته وفي المقابل يطرح الخبير الاقتصادي ضرورة وجود آليات استباقية من دعم للمقاولات التي توجد في وضعية صعبة،معدّا أن "فرنسا هي الدولة الوحيدة التي تبقى مكتوفة الأيدي أمام مقاولاتها و هي في طريق الانهيار"،كما استغرب لرأي بعض المحللين الذي يؤمنون بنفس المنطق،أي عدم تدخل الدولة عندما ترى شركة على أبواب الإفلاس فالمشكلة بالنسبة له، ليس بقانونية حتى يمكن منع أو عدم منع شركة من التوجه إلى بلد ثانٍ"،و إنما يشترط،في رأيه،"خلق عوامل للوصول إلى الجودة و التجديد المستمر للمنتوج الصناعي..."،مشيرا بهذا الصدد إلى تراجع مساهمة الصناعة في الاقتصاد الفرنسي من 30 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في سنوات الثمانينات إلى 18 بالمائة الآن كما لا يغفل ما يمكن أن يكون للتحفيزات المالية و الضريبية للدولة من دور في تشجيع المقاولات التي تعاني للحفاظ على استثماراتها في بلدها، ويحث كذلك المسؤولين السياسيين على "وضع برنامج لإعادة بناء القطاع الصناعي، وذلك على مددٍ محددة ويراهن ساري على الصناعات ذات التكنلوجيا المتطورة إن أرادت فرنسا أن تستعيد قوتها الصناعيةعادّاً،كما هو شأن العديد من الخبراء الاقتصاديين،إشكال رحيل المقاولات الفرنسية نحو الخارج يمكن تعويضه بتوفير الآليات و المناخ لتكون الصناعة الفرنسية في مستوى التنافسية التي يفرضها واقع اقتصاد السوق ولا يتفق مثلا مع من ينتقد استثمار شركة رونو مثلا في طنجة بالمغرب،لأنه مجال كذلك للمنافسة،فإن لم تبادر بذلك رونو قد تأتي شركة أخرى لبلد آخر للقيام بهذا، وستكون الشركة أضاعت مجالا مهما للاستثمار نظرا لموقع البلد و استقراره،فضلا عن أن هناك من الاقتصاديين من يعدّونه من الأسواق الواعدة في المنطقة ككل والمجال الحقيقي للمنافسة اليوم في قطاع تصنيع السيارات،يراه هذا الخبير،في السيارة الطاقية باعتبارها تتطلب تكنلوجيا عالية،و تسويقها مضمون فرنسيا و أوروبيا نظرا للتفاوت في القدرة الشرائية بين الدول النامية،التي تصنع بها سيارات منخفضة الثمن،و الدول الغنية وإعادة بناء القطاع الصناعي في فرنسا لا يكفيه تدخلات الدولة،لأن هي نفسها تعيش مشاكل ديون،وإنما يستدعي،بحسب قول الساري،"استراتيجية صناعية وطنية شاملة لا أوروبية،و أعطيك مثلا بطائرات "الإيربيس" هو برنامج اوروبي بتكنلوجيا عالية وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أطلق إصلاحا بهذا الشأن سنة 2009،و هي عبارة عن مكافأة للشركات التي تعيد استثماراتها إلى فرنسا إلا أنها لم تعط ما كان منتظرا من سيد الإليزي،ليطرح في إطار حملة الرئاسات الجارية إصلاحا ثانيا بتخفيض النفقات الاجتماعية التي يدفعها المشغل مقابل كل أجير يشغله لصناديق الدولة مقابل الرفع من الضريبة على القيمة المضافة .المحللون الاقتصاديون لا يتحمسون لهذه الإصلاحات،لأنها برأيهم،ليست تكلفة العامل هي المشكلة،و إنما القدرة المحدودة للصناعة الفرنسية على المنافسة في السوق العالمية هي من تنبغي معالجتها،بحسب رأيهم،لأن "الماركة الفرنسية" لم تعد تغري أمام الماركة الألمانية مثلا. الأمر،برأيهم،لا يتعلق بمسألة رحيل مقاولات و إنما بسياسة صناعية لا تناسب المرحلة الحالية،لأن عكس ذلك كما يقول أحدهم على صحيفة لموند،"مجرد مزايدات انتخابية باعتبار أن ألمانيا التي ترحل مقاولاتها أكثر نحو الخارج لم يتضرر قطاعها الصناعي فرانسوا هولاند،الخصم السياسي للرئيس المرشح نيكولا ساركوزي،جاء بدوره برؤيته لمحاربة هذا النزيف،إذ يتعهد اليوم بأن الشركات التي تكون على حافة الإفلاس،و عبرت جهة ما عن رغبتها في أن تأخذ المشعل،تتدخل الدولة حتى تبقى هذه المقاولة على قيد الحياة وكان ممثلو عمال شركة رينو عبّروا عن تخوفاتهم من فتح الشركة لمصنع لها في طنجة،فيما عدّ هذا الأمر بالنسبة للمغرب حدثا كبيرا حضره العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى جانب المدير العام لشركة كارلوس غصن وغياب المسؤولين الفرنسيين عن تدشينه تم ربطه بالظرفية الانتخابية التي تعيشها فرنسا في الظرف الحالي،حيث فسر أن حضور شخصيات حكومية في هذا التدشين قد يضر بها انتخابيا نظرا لحساسية موضوع رحيل المقاولات الفرنسية نحو الخارج في الشارع المحلي و تعدّ أوساط نقابية فرنسية أن هذا المصنع سيكون له انعكاس سلبي على مستقبلهم المهني داخل الشركة،لأنه، بحسب رأيهم، سيصدر ما يقارب 90 بالمائة من السيارات المصنعة في المغرب إلى وجهة لا تريد إدارة الشركة حتى الآن الكشف عنها فيما كان رد كارلوس غصن على هذه التخوفات واضحا بقوله:إن هذا المصنع «ليس على حساب فرنسا، وإنما يجلب إليها العمل...»، كما أن فرنسا ستجني منه 800 يورو في السيارة الواحدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق