الأحد، 3 فبراير 2013

إغرب عن وجه الإبداع أيها السياسي


إن فعل الكلام هو حيازة سلطة الكلام... وحدهم السادة يستطيعون الكلام أما الآخرون فقدرهم: الخضوع والصمت" حسب بيار كلاستر في كتابه "مجتمع اللادولة"، ومن ثمة يحل السياسي محل الإبداعي ويحاول حجبه وردعه والتعتيم عليه، ليجبره على الخضوع أو الصمت. خضوع هو بمثابة إنتاج عمل إبداعي يحمل فراغات إزاء التشويش عن آفاقه بصوت السياسي العالي، يجعل حرية المبدع ضيقة جدا. وصمت بمثابة موقف نرجسي متأزم يكشف كبتا إبداعيا وتسلطا خارجيا تشكل في صورة الرقيب الذي يفرض محرمات في التعبير الفني ويسجن حرية الإبداع. إن السياسي الذي يجعل الإبداع يرتطم بجدران كاتمة للصمت العميق بمثابة الشحنة الانفعالية المتوارية، نستشف منها الشعور بالإحباط وبانحباس الأفق التعبيري، وكشف عن سيطرة لغة السياسي ونفادها مما يؤهلها لتكون فوق لغة المبدع وكاتمة لصوته. جاعلا الفراغ كمنطقة للصمت والإزاحة. إنه السياسي الذي يدخل على المبدع حالة من الرهبة والخشوع عبر كلماته القاسية، وعبر العقاب القاسي أيضا حين يعتدى على المبدع الحر بدنيا لمحاولة تجفيف منابع حريته. وتكريس السيطرة، و السيطرة حسب "بلوم" مقترنة بفرض القوة : "حينما تفرض القوة نفسها لفترة كافية، نتعلم أن نسميها تقاليد..إنها تخنق الضعيف في جزء وتكبت حتى القوي في جزء"."السياسي الذي يحاول طعن إبداع المبدع بإملاء شروطه ولاءاته على الإبداع يبلور لحظة انفصام حقيقية كلما روض مشاعر الاضطهاد التي نمت فيه وترعرت وتكثفت حتى تحولت إلى دافع سادي يعبر عن السعادة عند ايلام المبدع لتحويله إلى ضحية وإلى موضوع لممارسته كبته الذي انجلى كانفعالات بدائية يعوزها التنسيق، تفتقد إلى الوعي والتفكير، إنها بمثابة طعنات متوحشة متمردة تحمل كمية من الحقد الدفين ومن الشعور بالاستيلاب وغياب الإرادة. تكشف عن شروخ النفس الغائرة التي لا تبرر ما تأتيه من شرور وشذوذ وهي تتقمص النبل والطهارة وتمارس العنف كأداة للتطهير الروحي بصورة معكوسة إذ تبلور انكشاف دافع الهدم كطاقة هائلة للسقوط. السياسي الذي يريد أن يلون لوحة الإبداع بالسواد، لوحة تنعدم فيها مساحات الضوء من المشهد الإبداعي وتغيب فيها النقاط والخطوط الكفيلة برسم حلم مشرق أو معنى منصهر، ملتحم، مكتمل ومتوحد. إنما يتهجد في عتمة روحه الشاحبة صورة معينة للإبداع تحمل شقوقها وانكساراتها وشروخها التي يصعب التئامها أو التحامها حين تعبر عن ضعف المبدع تجاه جروحه ومآسيه وتحوله إلى ضحية للسياسي. سياسي يريد أن يرى المبدع كشخص مثخن بدماء الوجع لن يجعل من الحضور إلا غيابا وهوانا وتبعية أشبه بالوباء الجاثم على جسد المبدع وأنفاسه، تماما كفيروس يزحف على الخلايا الحية بشراسة يفتتها ويفككها وينفث فيها سموم الموت. السياسي الذي تتحول تصريحاته حول حرية الإبداع كالدخان المتصاعد من فوهة بركان التاريخ، إنما يكشف عن انفجار اللاشعور إثر تكاثف ركام الكبت وتعقده عبر ردود فعل عنيفة تجاه الكائن الانساني الجميل. تصريحات تحاول حصار سلطة الابداع، لتسقطه في حالة النكوص والارتداد وتصوير المبدع في حالة انشطار روحي وهو يطل على واقعه عبر إطار متعفن. تنعدم فيه الصور المشرقة حيث تكاثف التأزم حد العتمة وغياب الألوان والأشكال والحركة لتستحيل الرؤيا إلى وهم يتنفس دخان الأقنعة التي تحجب حقيقة الروح. فثمة ركام من السخام والألوان الكالحة الملطخة للإطار الخارجي الخانق والمعتم..حين يحاول السياسي أن يهدم العمل الفني كأنه يطلق العنان لثور هائج من شأنه أن ينطح ويهدم ما اعترض أمامه دون مبالات بتماسكه وتناسقه. فهي عملية تستند إلى الحركة المندفعة دون اكتراث بالهدف المتجه إليه، حركة تعدو في كل الاتجاهات تتجه نحو الإبداع بنظرة تصغيرية..فاغرب عن وجه الإبداع أيها السياسي فالإبداع انعكاس للجمال الذي يرتب الأفكار وينسق الأشياء ويصبغها بالمعنى وينفث فيها نبضات الحياة، تخفق متوهجة لتشكل الكون الجديد.
مقالات للكاتب هيام الفرشيشي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق