الثلاثاء، 19 فبراير 2013

سجين سمـّوه “X”


قضية “السجين إكس” الأسترالي الذي مات أو انتحر أو قتل في سجن “إسرائيلي”، فيها من الدلالات ما يوازيها من عار يجلّل وجه الاحتلال وحماته في المجتمع الدولي الحربائي . القضية عمرها ثلاث سنوات منذ سرّبت وسائل إعلام “إسرائيلية” عام 2010 خبراً بكلمات مقتضبة عن انتحار سجين مجهول الهوية في السجن. ولأن “إسرائيل” تملك سقفاً عالياً من “الديمقراطية والحريات” يسمح لها بأن تصدر أوامر “منع نشر” يسري على كل وسائل الإعلام وألسن المسؤولين، فإن صحفها تناولت القضية منسوبة إلى “منشورات أجنبية”، وهي الطريقة المتبعة لديها للهروب من الرقابة أو بموافقتها حين يراد لقضية أن تخرج غامضة فيها كل التبني الذي يجنّب مسؤوليات على “إسرائيل”.
مصادر أسترالية قالت إن اسم السجين زايغير، وأكدت أنه عمل لجهاز “الموساد”، وأنها كانت تعلم بذلك. لكن مجرّد أن يشار في “إسرائيل” إلى سجين بالرمز “إكس” يعني امتهاناً لكرامة إنسان تعترف وسائل إعلام “إسرائيل” بأنه أسترالي خدم “الموساد” بضع سنوات، علماً بأن الإشارة للبشر بالرموز والأرقام ليست سياسة جديدة في “إسرائيل”، فمقبرة الأرقام للشهداء ما زالت شاهدة على هذا الامتهان لكرامة البشر باسم “الاعتبارات الأمنية” . ففي هذه المقبرة مئات الشهداء الفلسطينيين والعرب لا تعرف أسماؤهم لأن العنصرية الصهيونية تنظر لغير اليهود باعتبارهم مجرّد أرقام . وهذه ليست استنتاجات أو اتهامات، بل سياسة معلنة عبّر عنها إيهود باراك بوضوح حين قال: “قتيلهم رقم أما شهيدنا فقصة”.
أن يتراوح الحديث عن مصير إنسان بأنه مات أو انتحر أو يلمّح بأنه قتل، شكل آخر للعنصرية التي لا تكترث للمشاعر الإنسانية رغم مرور ثلاث سنوات على القضية . فحتى وسائل الإعلام في أستراليا التي ينتمي “السجين إكس” إليها ويحمل جنسيتها تتخبّط في الحديث عن مواطنها، فيما المسؤولون الأستراليون يتناولون القضية كأنها تتعلّق بسعر السجائر .
بمراجعة لما تنشره وسائل الإعلام “الإسرائيلية” عن “السجين زايغير” والظروف التي مر بها، يستشف بأنه قتل عن سبق إصرار وترصّد . هذا ما تؤكّده الإشارة إلى احتمالين يقفان خلف زجّه بالسجن، وهما أن يكون نقل إلى إيران معدات إلكترونية، أو كان بصدد كشف “معلومات خطرة” تتعلّق بـ “تزوير جوازات السفر” في دول العالم، كأسلوب ينتهجه “الموساد” لتنفيذ جرائمه السوداء في غير مكان . أي من الاحتمالين كاف للتخلص من إنسان حتى لو خدم “إسرائيل” اثنتي عشرة سنة .
هذا يقود لدلالة جوهرية وعبرة لمن يعتبر، إذ ينبغي على كل من يفكّر في بيع نفسه كعميل لجهة استعمارية مثل “إسرائيل”، أن يعلم أنها تأكله لحماً وترميه عظماً، وأن كل ما تزيّنه له في مرحلة الإلقاء بشبكة الصيد ليس سوى الكذب ولزوم “عدّة النصب” والإيقاع بمن لديهم حاجة أو في نفوسهم مرض لأهداف قذرة.
الملاحظة الأشد استفزازاً في القضية برمّتها هي حالة الصمت والتواطؤ المخزية التي تظهر عليها منظومة الدول التي تتاجر بشعارات الإنسانية والديمقراطية وحقوق الإنسان والحيوان، ثم تبلع لسانها حين يصل الحديث إلى جرائم “إسرائيل” وسجون أمريكا السرية حتى في هذه الدول نفسها . قادة هذه الدول ومسؤولوها يتفجّرون كلاماً من أفواههم ومن أماكن أخرى، عن حقوق الإنسان في حين يحتضر أسرى فلسطينيون مضربون عن الطعام منذ ما يزيد على مئتي يوم على التوالي .لا يلام هؤلاء الموظفون، إنما ذلك القطيع من المأجورين الذين يعزفون على وترهم بيننا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق