السبت، 15 يونيو 2013

ربيع تركيا وخريف أردوغان

بعد عشر سنوات كاملة من النجاحات والانتصارات والإنجازات، يبدو أن الشعب التركي قد تعب من رئيس الحكومة وزعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان، فقرر أن يرفع على الأقل بطاقة صفراء بوجهه على أن يحضّر لاحقاً البطاقة الحمراء . حال أردوغان مثل حال لاعبي كرة القدم، ومع أنه كان لاعب كرة في شبابه غير أنه لم يحسن الاعتزال السياسي في اللحظة المناسبة. الاعتزال الكروي يكون عادة عند سن الثلاثين ومن بعدها يبدأ اللاعب بالعد العكسي ليتحين فرصة مناسبة للاعتزال .
كان يمكن لأردوغان أن يكون له مكان في قلوب الأتراك وفي صفحات التأريخ التركي كزعيم حقق ما لم يحققه أحد من أسلافه في التنمية الاقتصادية وإعطاء تركيا دوراً في المنطقة والعالم . لكن السلطة مفسدة، أفسدت العقل والذهنية قبل أن تُتعب الجسد فتتراجع اللياقة البدنية للاعب - الزعيم . كلما طال وجود أردوغان في السلطة، أمعن في الاستئثاره بالسلطة، فاعتقد أن الخمسين في المئة التي نالها في العام 2011 تخوّله أن يتحكم بمصائر وهواجس وتطلعات ومطالب الخمسين في المئة الباقية . وهنا كان مكمن الخطيئة الكبرى، فانطلق في مشروع خطر يصادر كل المكونات المعارضة لحكمه ليس أولها محاولة أسلمة الدولة وفقاً للأيديولوجيا “الإخوانية”، على حساب المنظومة العلمانية، ومحاولة خلق نمط من الفردية ينسجم مع أيديولوجيته، ومصادرة الحريات الأساسية التي أقلقته فألقى بالصحافيين الذين كانوا ينتقدونه في السجن أو طردهم من المؤسسات التي يعملون فيها . وعمل على شراء معظم الإعلام الذي ارتكب فضيحة أخلاقية كبيرة عندما انحاز هذا الإعلام إلى السلطة في مواجهة المحتجين في ساحة “تقسيم” .
وفي دراسة ميدانية أجريت على ثلاثة آلاف مشارك في “انتفاضة تقسيم” قال 94 % من هؤلاء إنهم ينتفضون ضد “استبداد” أردوغان، وفي الوقت نفسه قالت نسبة مشابهة إن مطلبها الرئيس حماية الحريات الأساسية .
بات المشهد السياسي في تركيا قبيل انتفاضة تقسيم مسدوداً من جراء “الستاتيكو” بين سلطة حزب العدالة والتنمية وانقسام المعارضة إلى ثلاثة أحزاب يفرقها كل شيء ولا يجمعها سوى العداء لأردوغان، وهذا وحده لا يتيح تغييراً في الواقع الراهن . وهو ما كان يريح أردوغان فيمضي قدماً في مشروعه مطمئناً إلى عجز المعارضة عن مقارعته .
لذلك شكّلت “انتفاضة تقسيم” التي انفجرت في 27 مايو/ أيار وبلغت ذروتها في الأول من يونيو/ حزيران وماتزال حتى الآن، مفاجأة كبيرة لأردوغان الذي صُدم فلم يجد لتغطية صدمته سوى اتهام المنتفضين بأنهم لصوص ومخربين، وأنها مؤامرة خارجية. وأدار ظهره للمحتجين وغادر في زيارات إلى المغرب وتونس والجزائر . ولدى عودته إلى تركيا كابر أردوغان وقرر أن يواجه الانتفاضة بتسييل أنصاره ليحتشدوا نهاية الأسبوع الحالي في كل من أنقرة واسطنبول . أي ليس الاستماع لمطالب المتظاهرين بل للتأكيد أن الشارع هو الحكم، وهي سمة من سمات أردوغان في تعميق سياسة الاستقطاب التي يعتقد أنها تحميه وتجلب له المزيد من المؤيدين .
لكن ما لم يدركه أردوغان أن “انتفاضة اللصوص”، التي شملت الفنانين والمثقفين والأطباء والمهندسين والطلاب الجامعيين، كانت خارج أطر المعارضة الحزبية التقليدية . في الدراسة الآنفة الذكر فإن أكثر من ستين في المئة من المحتجين هم في عمر بين 18 وثلاثين عاماً، وأن سبعين في المئة من غير الحزبيين . وهذا يعني أن “انتفاضة تقسيم” ليست محكومة بالانسداد السياسي لحراك الأحزاب، وبالتالي هي ظاهرة شبابية بامتياز ذكّرت معظم الكتّاب بربيع براغ ،1968 وربيع الطلاب في فرنسا في الفترة نفسها . شرائح اجتماعية شبابية في معظمها لا تريد العودة إلى الدولة الدينية، وتريد حماية حقها في أن تفكر بحرية وتتصرف وفقاً لقواعد الديمقراطية الفعلية المتعارف عليها . وهي مطالب لا يمكن لمن يقف بوجهها أن يخرج منتصراً . لذا فإن مجرد حدوث مثل هذه الانتفاضة بميزاتها الحديثة، هو هزيمة لأردوغان يتلقاها لأول مرة منذ وصوله إلى السلطة ولن تنفعه، لمواجهتها، سياسة “شارع مقابل شارع” . بل عليه أن يقدم ضمانات باتباع سياسات تضمن الحريات الأساسية واحترام هواجس ومشاعر كل الفئات الاجتماعية . وهذه المشكلات لا تحل في صندوق الاقتراع، بل هي مسلمات تتجاوز لعبة الانتخابات . وبما أن أردوغان قد تقولب على سياسة الاستئثار ومصادرة الحريات وفهم الديمقراطية بصورة سطحية يحصرها في عملية الاقتراع، فإن الأمل بتجاوبه مع مطالب المتظاهرين شبه معدوم . والأهم أن أمله في وأد الانتفاضة الشبابية عبر التخويف والتهديد هو في غير محله . لذا فإن تركيا أمام مرحلة جديدة قد لا يسقط فيها أردوغان وحزبه قريباً، ولكنها تحمل بداية النهاية لسلطة رجل أمضى عشر سنوات في السلطة ويريد أن يستمر فيها كرئيس للجمهورية هذه المرة عشر سنوات أخرى . “انتفاضة تقسيم” دشنت ربيعاً تركياً لن ينتهي إلا بتراخي قبضة الاستبداد الحديث ولو استغرق الأمر وقتاً طويلاً .
http://www.beladitoday.com/?iraq=ربيع-تركيا-وخريف-أردوغان&aa=news&id22=9935

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق