الأربعاء، 12 يونيو 2013

صراع السارد مع الروائي في “سوق الإرهاب”

يحيى عبابنة
عندما يتعلق الأمر بموضوع شديد الحساسية كمحمولات رواية “سوق الإرهاب” ومضامينها، فإنّ الروائي يقع تحت سطوة رقيب هائل القوة، ولا أعني هنا رقابة المؤسسات الرسمية التي تراقب الأعمال الإبداعية فتُعمل فيها مقصاتها، بل أعني أنَّ الروائي يقع تحت سطوة السارد الذي يحاول الانفلات منه، ومن ثمَّ، فإن السارد أيضا يقع تحت سطوة الروائي الذي ينصِّب من نفسه رقيباً على العمل محاولا الحدَّ من اندفاع السارد في التعبير الحرّ، فكلاهما يدرك أن هذا المحمول الدلالي يدخل في حالة التابوه التعبيري.
فالروائي يسلّم مفاتيح التعبير للسارد ولكنه يخاف منه، فيكون عليه رقيباً يحاول من خلال عمله أن يحاسب السارد مما يجعله قائما بدور دائرة الرقابة والنشر، فيعمل على تشذيب العبارة ومجاملة الآخر الذي يمكن أن يكون له سطوة على السلطة التي تحاسب الروائي، ولا تلتفت إلى السارد، وهذا إنما يتمُّ في البلدان العربية التي تعاني من التخلُّف، فلا تفصل بين الروائي والراوي أو السارد، فتحاسب الروائي المحسوس، وتُعْرضُ عن السارد الظاهر الذي لا يمكن الإمساك به، ولاسيما إذا تعلَّق الأمر بالأعمال الإبداعية التي تميل إلى الإيديولوجيا واختصارها عبر الحالات النفسية التي تمرُّ بها شخصيات العمل الروائي، في حين أننا نعرف أن عمل هذه السلطة يختفي تماماً من محاكمة الأعمال الإبداعية في العالم الحر، بغض النظر عن الوجه الإيديولوجي الذي تمثلـــه الروايـــة أو ينتمي إليها الروائي، فلا حرام (لا مساس).
والحقيقة أنَّ الروائي تمكّن بوعي كبير من التخلُّص من هيمنة السارد عن طريق عدة حيل، الأولى منهما هندسة السارد والعملية السردية برمَّتها، والثانية استعمال آليات القص واللصق، والثالثة كانت آلية رؤيوية محضة، وهي الانصياع للآخر في تعريفه الإرهاب.
بينما تمثل هذه الرواية مجموعة من المظاهر السردية التي تقوم على توصيف (سوق الإرهاب) عن طريق شخصيات ورقية يحرِّكها السارد، نجد أن الروائي قد تدخَّل في سير الأحداث الروائية عن طريق تقنية يطلق عليها مصطلح “الرواية من داخل الرواية”، وقد بحثها بعض النقاد ضمن ما يسمى “تقنية الصندوق الصيني” Chinees Box ويطلق عليها أحياناً اسم تقنية البابوشكا الروسية Russian Babushka Dolls.
وفيه يقوم المبدع بإدخال عمل سردي في عمله السردي نفسه، ولكن السارد في هذه الحالة يعمل على تسليم زمام عملية السرد إلى سارد آخر، في حين يقف هو على درجة من الوعي بالعملية السردية الجديدة موقفاً يكاد يكون محايداً، وهو يهدف من هذه التقنية إلى كسر حدة حيوية الشخصيات التي تتحرك على رقعة الرواية مكاناً وزماناً، ويحيل العملية إلى (محايد) يسرد حدثاً آخر قد يكون له ارتباط بالعمل الأصلي، ولكنه فرار من مسؤولية تحمل الرؤى التي ينطلق منها العمل الجديد الذي يخفف من العمل الأصلي، زيادة على أنّه يوفر ملاذاً آمنا يزيد من ورقية الشخوص والأحداث التي تحرِّكها. إنّ أغلب الصراع الدائر بين الروائي وسارده يتأتى عن طريق خوف السارد من سطوة الرقيب التي يخشاها، وانصياعه للآخر بصورة ساذجة لم يقوَ الروائي على إخراجه من دائرة الخوف والتبعية، وهو أمر مسبب عن تحويل الفكرة الإيديولوجية إلى أحداث ظهرت الصنعة المطلقة فيها، مما أدى إلى تلازم بين منتج النص (البلاغي بكل تجلياته) والإيديولوجي، فالمتتبع لنظرية الأدب وتاريخ الأفكار يمكن له أن يستنتج أن الارتباط بينهما أمر يعود إلى الحركة السفسطائية التي اشتهر اعتدادها بالعتاد البلاغي من أجل استغواء المخاطبين واستقطابهم، وإن كنا نعرف أن السفسطة الموجودة في نصِّ “سوق الإرهاب” تحاول استعداءهم أكثر من استقطابهم، فالفكرة متوجهة نحو استقطاب الآخر الذي يجد كراهية غير محدودة من (الأنا)، وهذا يدفع إلى تجييش الكراهية نحو الفكرة وطريقة أداء السارد الذي بدا ضعيفاً واهنا إلا من أسلحة البلاغة وصناعة (الفكرة) التي بدت واضحة من العنوان بداية، ومن توظيف السارد نفسه في التحول في أدائه النصي من (معبِّر) بلسانه الخاص إلى (معبِّر) بلسان الآخر، ويتناقض هذا مع الحلم الذي ورد عن شخصية سلامة أيوب في دوره السردي الثاني عند محاكمة “سقراط”.

مقالات للكاتب الأديب الأردني محمد عبدالله القواسمة نجح في رواية “سوق الإرهاب” نجاحاً كبيراً في استعارة فكرة “مواجهة الإرهاب)” وخرج علينا بمحاولة سردية متواترة قدَّم فيها عرضاً جذاباً لفكرة السوق التي تنادي بها الرواية، وقد صنع عملاً فكرياً ذهنياً مسيطراً على العمل السر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق