في ظل الأنظمة السابقة فقدت التشريعات الوضعية فعاليتها ولم تتمكن من إشاعة مبادئ سيادة القوانين إلا بحدود معينة واغلبها كان يتعلق بحقوق الدولة وحماية النظام ،إضافة إلى كثرة الثغرات والترقيعات الاستثنائية والخاصة ، وكردود فعل من شرائح المجتمع العراقي للحفاظ على وجودها وتنظيم علاقاتها كرست الاتفاقات القبلية والعشائرية كبديل عن عجز القانون ، زحفت تلك الأعراف مع نزوح المواطنين من الأرياف إلى المدن لتصبح حاسمة في حل النزاعات ، واليوم حيث نسعى إلى تحولات ديمقراطية تتناسب مع التقدم والمدنية ، كيف يتم التوافق بين العرف الاجتماعي والقانون ؟ في هذا الاستطلاع نلقي الضوء على هذا الموضوع .
خالد عواد نائب ضابط متقاعد يتحدث عن مشكلة حصلت له مع زوجته ،وجد أنه عليه أن يتصرف بطريقة يحسم فيها الموضوع من خلال التصرف ببيع البيت، تدخلوا أهل الزوجة بشكل غير أصولي وأغلقوا البيت الذي يسكنه وكتبوا عليه « مطلوب عشائريا لا يباع ولا يؤجر» يتساءل المواطن خالد مالذي ربط التشريعات الشرعية بتشريعات الملكية الخاصة بالأعراف العشائرية ..الا يبدو هذا خلطا غير منطقي ,في زمن يجب أن يطبق فيه القانون ويعرف كل دوره وحقوقه ,؟ اذا كنا ننشد الديمقراطية يجب تطبيق القانون المدني بدلا من الأعراف القبلية الكيفية ، وأعراف أخرى ماانزل الله بها من سلطان.
فيصل باهض العطواني رئيس فخذ يعترض على الاكتفاء بالقانون الوضعي كحل لمعالجة المشاكل وتقويم السلوك ,إذ يقول : لو اكتفينا بالقوانين لحل المشاكل لكثرت المشاكل وتعقدت الأمور ,وسأعطيك مثلا، كيف نسيطر على المجرم القاتل إذا كنا نعرفه تماما ولكن ليس هناك دليل قانوني على ارتكابه الجريمة ؟فالقانون يريد أدلة وشهود وقرائن وإلقاء قبض ومحاكمة , قبيلة المقتول بإمكانها الوصول إلى المجرم ,بل المجرم نفسه أحيانا هو الذي يقر بجريمته عبر توسيط آخرين خوفا من الثأر وهو العقوبة العشائرية ، ويحل الموضوع عبر الدية التي تدفع إلى قبيلة المقتول .
- ولكن ذلك يؤدي أيضا الى التمادي بارتكاب الجرائم ،اذ يطمأن المتمادي حيث ان قبيلته سوف تدفع الدية ولن يناله السجن .
- الموضوع يتعلق بعرف كل عشيرة أو قبيلة إذ إن هناك جرائم أو تجاوزات لاتلتزم بها العشيرة وتعتبرها خرقا فاضحا يتحملها المجرم وعائلته فقط ,وفي مثل تلك الجرائم تدفع عائلة المجرم و مجموعة المقربين الجزء الأكبر من الدية ،وأحب أن أقول لك العشيرة تؤدب إفرادها ولاتسمح بالتمادي إذ إن لها دورا أوليا في الإنذار والتحذير قبل وقوع التجاوز.
- والديمقراطية ..؟
ومن قال لك إن هناك تعارضا بينها وبين الأعراف ؟ على العكس الديوان العشائري يتم به تبادل الرأي والاستماع إلى الآخرين من الكبير والصغير دون استثناء ولايمكن إن يتفرد شخص باتخاذ قرار دون مشاورة الآخرين لأنه سيظل وحده دون معونة أو إسناد ،وقد أدت القبائل العراقية دورا متميزا في ترسيخ الديمقراطية إذ أسهمت بشكل فعال في إنجاح الانتخابات وتحدت الإرهاب وحضرت المراكز الانتخابية للاقتراع. المحامي حمزة كريم فرحان قال بعد إن اخرج زفرة تدل على الم مكنون : من الصعب جدا إن يزاول المحامي عمله في واقع يتناقض فيه القانون مع العرف الاجتماعي والعشائري في قضايا كثيرة ،وصدقني نحن كمحامين نلجأ إلى العشيرة لغرض الوصول إلى بعض القضايا ،واروي لك مشكلة حصلت مع صديق لي يعمل طبيبا في مستشفى، إذ أجرى عملية لأحد المرضى كبار السن الذي توفى لكن ليس بسبب العملية ،فاضطر إلى ان يبيع سيارته ليدفعها دية لأهل المتوفى ولم يمكنه القانون وإثباتات التقارير الصحية تجنيبه دفع الدية ،ولقد رفضت الكثير من القضايا بسبب التدخلات العشائرية ،ولكن ما قام به الاطباء في محافظة البصرة كان عملا شجاعا اذ اضربوا عن العمل بسبب التهديدات العشائرية ،ولنسأل سؤالا واحدا ،هل بامكان التقاليد العشائرية ان تخرج اطباء او مهندسين او محامين او ادباء ؟!اليس من العيب في هذا العصر ان يخضع الانسان المتعلم الى احكام رجل امي ؟ولكني في نفس الوقت احمل الاجهزة التنفيذية المسؤولية ،لان الانسان يبحث عن الضمان ،والقانون لا يضمن كل الحقوق ،لو تمكن من ذلك سيغادر الناس التقاليد القبلية ويركنون الى القانون ،اما قبل ذلك فسيبقى الانسان خاضعا لسلطة القبيلة رغم عدم قناعته. الشيخ عبد المحسن عبد علي تحدث عن دور الشرائع السماوية في تقويم السلوك اذ قال: ينبغي للقانون الوضعي والعرف الاجتماعي ان يرتقيا الى مستوى القانون السماوي لأنه وضع حسابا في الدنيا وحسابا في الاخرة ،وربط الاعمال بالنيات (ولكل امرئ ما نوى) ,ولكن المشكلة ان المنحرف هو انسان فاقد لبه ،ولا يرعوي لأي قانون اذ غيبت عنه الرقابة فيفسد في الارض ،والقوانين الالهية فيها تسامح وفيها تأهيل وفيها رعاية وتمييز بين الهفوة والتعمد والسهو والتقصير ،والقانون السماوي يحاسبك حتى على تقصيرك تجاه نفسك ، اما بالنسبة للقبيلة والعشيرة فهي امر ايجابي اذا لم تحرض على اثارة نعرات التفرقة والتجاوز، والقانون الالهي اكد في الآية الكريمة :
((وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم )) اذن القانون الالهي اكد على الاستقامة والتقوى والتعارف والتقارب الانساني وليس على التمييز والتفرقة .
و ما هو الحل برايك ؟
القانون الوضعي اذا استلهم القانون السماوي وصاغه بواقعية يتمكن بمرور الزمن من تشذيب التجاوزات والاعراف القبلية العشوائية واشاعة سيادة القوانين ، القانون السماوي اسمى قانون حيث وضع عقوبة لتقويم السلوك على الارض وعقوبة مؤجلة في الآخرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق