تكاد جهود حل المشكلة الكردية في تركيا تغيب عن الإعلام بعدما تجاوزتها تطورات كبيرة داخل تركيا وخارجها . فما سمّي بداية بـ”عملية ايمرالي” ثم بـ”عملية الحل” كان تعبيراً عن المفاوضات التي انطلقت في نهاية العام الماضي بين الدولة التركية وجهاز مخابراتها تحديداً، وبين زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان . وأوجلان معتقل في جزيرة ايمرالي التركية منذ العام 1999 لذلك سميت المفاوضات بـ”عملية ايمرالي” .
غير أن التعبير لم يكن دقيقاً، إذ إن هناك أطرافاً أخرى داخلة في عملية الحل وليس فقط أوجلان، ومنها قيادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل في شمال العراق فضلاً عن جناح الحزب في أوروبا. لذلك أعطيت العملية اسماً جديداً هو “عملية الحل” .
وقد اتفق الجانبان التركي والكردي على أن تبدأ عملية الحل بانسحاب المقاتلين الأكراد من داخل تركيا إلى شمال العراق مع بداية عيدالنوروز الماضي، أي قبل نحو خمسة أشهر على أن ينتهي الانسحاب في مطلع الصيف، وحينها تبدأ المرحلة الثانية المتعلق بإقرار الحكومة والبرلمان التركيين رزمة إصلاحات وتعديلات دستورية تضمن الاعتراف بالهوية الكردية الثقافية وبحكم ذاتي للأكراد في مناطقهم، على أن تلي ذلك مرحلة ثالثة واخيرة تشمل إلقاء حزب العمال الكردستاني السلاح نهائياً وإطلاق سراح أوجلان وأموراً أخرى . وفي ظل الجهود المكثفة ومنها تشكيل لجان حكماء في كل المناطق التركية تمهد الطريق للحل وتساعد على خلق مناخات قابلة للسير في الحلول التي يمكن التوصل اليها اندلعت “انتفاضة تقسيم” وحديقة غيزي في اسطنبول وأنحاء متفرقة من تركيا في نهاية مايو/أيار الماضي ضد حزب العدالة والتنمية وحكومة رجب طيب أردوغان احتجاجاً على سياساته الاستئثارية والتسلطية في الداخل، والمنكرة للحقوق الطبيعية لفئات واسعة من المجتمع التركي، كما لمطالب الحرية والديمقراطية التي عرفت انتهاكات واسعة بحيث تحتل تركيا من دون منازع المرتبة الأولى في العالم لجهة القيود على حرية التعبير وعدد الصحافيين المعتقلين .ولقد كانت “انتفاضة تقسيم” هزة ثقيلة بوجه اردوغان ونهج “الإخوان المسلمين” الذي يمثله حزب العدالة والتنمية. ولقد كان هذا عاملاً مهماً جداً في أن يعيد اردوغان التفكير في طريقة مقاربة حل المشكلة الكردية إلى درجة باتت في مهب الريح. ذلك أن أولويات اردوغان بعد” انتفاضة تقسيم” تغيرت وبات يبحث عن مخارج للخروج من مأزقه. وكانت “عملية الحل” الضحية الأولى لتغيير استراتيجية أردوغان الكردية، اذ انه يخشى من أن يفسر أي تنازل يقدمه للأكراد على أنه ضعف يضاف إلى الانتكاسة التي تعرض بسبب انتفاضة تقسيم . لذلك نجد ان اردوغان يتحدث فجأة عن أن المقاتلين الأكراد لم ينسحبوا من تركيا حتى الآن إلا بنسبة 15 - 20 في المئة في إشارة إلى انه غير مستعد لأن يقدم إليهم اي تنازل أو حقوق .
وبعد ذلك جاءت ثورة 30 يونيو في مصر والإطاحة بسلطة الإخوان المسلمين، لكي تخرج أردوغان من عقاله ويحوّل اهتمامه بالكامل على الأحداث المصرية التي كانت ضربة قاضية لمشروعه في الهيمنة على المنطقة بعدما خسر جناحه الثاني في مصر . ومنذ بدء الثورة لم يتغير برنامج اردوغان في الانشغال على مدار الساعة بكيفية تحريض الإخوان المسلمين على مقاومة الثورة والذين باتوا ينتظرون إشارات أردوغان ليقرروا ماذا يفعلون . في هذا الوقت كان حزب العمال الكردستاني عبر قياداته في قنديل، يصدر البيان تلو الآخر، ويطلق قادته التصريح بعد التصريح محذرين الحكومة التركية من أن المرحلة الأولى من عملية الحل قد اكتملت بانسحاب معظم المقاتلين من تركيا إلى شمال العراق، ومن أن المرحلة الثانية قد بدأت ويتوجب على أردوغان ان يقدم على تعديلات دستورية تعترف بالحقوق الكردية، منذرين من أنه ان لم يتم ذلك حتى الأول من سبتمبر/أيلول أي بعد أيام قليلة فسوف تنقلب عملية الحل إلى حرب شاملة.
في المنظور القريب وربما المتوسط يبدو أن “عملية الحل” قد دخلت في طريق مسدود، خصوصاً بعد التطورات في شمال سوريا وسيطرة مقاتلين أكراد على أجزاء منها، ودخولهم في اشتباكات مع قوات المعارضة السورية التي تدعمها تركيا، ما يضيف سبباً آخر على تردد أردوغان في تقديم تنازلات للأكراد وبما يبقي هذا الملف مفتوحاً في كل لحظة على خطر الانفجار العسكري.
مقالات للكاتب محمد نور الدين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق