هل يمكن أن تنفصل السياسة الأوروبية في الشرق الأوسط عن السياسة الأمريكية؟ ربما كان من الممكن طرح هذا السؤال بخصوص مصر، وتحديداً النظام الجديد في أرض الكنانة.
معطيات كثيرة تفرض نفسها كعناصر للتحليل والإجابة . منها الاعتراف بأن ثمة بلبلة في الموقف الأمريكي من التغيير في مصر، وفي الوطن العربي عموماً . وكذلك ينعكس هذا الوضع بلبلة في الموقف الأوروبي . بلبلة ما هي في بعدها الاستراتيجي الدولي إلا انعكاس ونتاج لمرحلة قلقة في ما يخص التوازنات الدولية التي لم تعد على حال النظام العالمي الجديد الذي بدا عام ،1990 ولا هي تبلورت عن نظام عالمي جديد يعيش الآن مرحلة بروزه وإثبات نفسه على الساحة الدولية . ولم يكن الوضع العربي يوماً إلا ترجمة لهذه التوازنات والمتغيرات.
غير أن الثوابت الثلاثة التي لا تتغير أياً كان التغيّر: “إسرائيل” وجوداً وأمناً وتفوقاً، الطاقة نفطاً وغازاً ومياهاً، والهيمنة على العقدة الستراتيجية الجيوسياسية. من هنا فإن أزمة واشنطن تكمن في تناقض: تحالف مع الإسلام السياسي يضعها في موقف نقيض لروسيا والصين، وبالتالي يدفع نقائض الإسلاميين نحو هذين الخصمين، أم تحالف مع الليبراليين المغرّبين عموماً والمتأمركين خصوصاً وهؤلاء وجدوا أنفسهم غير قادرين على التعايش مع الإسلاميين الذين ما إن استقروا في السلطة حتى اصرّوا على الاقصاء والاستخفاف بالآخرين .أما أزمة أوروبا فهي أن القارة العجوز قد حسمت سلطوياً الصراع التاريخي بين مدرسة الاستقلالية الأوروبية ومدرسة الأطلسة التي تجعل بروكسل معلقة في ذيل التنورة الأمريكية (على حد تعبير جان بيير شفينمان بعد حرب العراق الأولى)، حسمتها لمصلحة الثانية. وإذا كان شارل ديغول وهلموت كول هما من بلورا أسس المدرسة الأولى، وهزما انتخابياً بضغط اللوبي اليهودي بيساره ويمينه، فإن جاك شيراك وجيرهارد شرودر قد حاولا إحياءها عام 2003 لكنهما هزما أيضاً، شرودر انتخابياً . وشيراك بالعودة صاغراً إلى المصالحة مع النيوليبراليين بثمن رأس لبنان وسوريا . وبعدها قبوله مرغماً بساركوزي الذي أعاد فرنسا رسمياً إلى الأطلسة، هو الذي صعد بدعم اللوبي اليهودي والولايات المتحدة . ثم جاء هولاند ليختلف عنه، ربما في قضية عدد ساعات العمل وسن التقاعد المعتمد، ولكن ليس في أي خط من خطوط السياسة الخارجية . وما يهمنا منها العربية . في العالم العربي كان التغيير يبدو حتمياً، إذ اجتمعت جميع شروطه السياسية والاجتماعية والاقتصادية وبالتالي السيكولوجية الجمعية، إذاً، الحل الوحيد أمام واشنطن وأوروبا هو الالتفاف على كل من يمكن له أن يقيّض الثوابت الثلاثة التي ذكرنا: الهيمنة على الثروات وخطوط إمدادها، الهيمنة على العقد الستراتيجية، و”إسرائيل” . هنا نصل إلى الدول التي تجلى فيها الصراع: ليبيا حسم أمرها وثرواتها الأوروبيون بدعم أمريكي، ولتذهب وحدتها وشعبها إلى الجحيم . أما سوريا ومصر، فأمر آخر: بلدان حدوديان مع “إسرائيل” والهاجس الرئيس للوبي اليهودي الذي يتحكم بواشنطن وبروكسل هو أن تسير الأمور في كل منهما باتجاه ضمان الأمن والتطبيع مع الكيان الصهيوني.وهو ما لا ينفصل عضوياً عن عدم تهديد الوضع فيهما لحلفاء واشنطن في المنطقة، خاصة أولئك الذين يشكلون عقدة أساسية للطاقة والثروات أو عقدة أساسية لجيوستراتيجيا أو للوجود العسكري الأمريكي. من هنا يفهم تخلي البعض عن الإخوان المسلمين، واعتبار البعض الآخر أن هؤلاء يظلون تحت السيطرة، وأقل خطراً من إمكان نفاذ القوى غير المؤيدة لأمريكا وللسلام مع “إسرائيل” إلى الحكم، أو من إمكان دفع هذه القوى للسلطة الجديدة إلى التوجه نحو الروس والصين. وبعبارة أخرى، دق إسفين جديد في نعش اختلال التوازن الدولي لمصلحة واشنطن .صحيح أن ثمة اختلافاً أساسياً بين مصر وسوريا، هو أن مصر موقعة لمعاهدة سلام لم تعلن قط إنها ستعود عنها. في حين أن سوريا تنتمي إلى معسكر العداء وإلى المحور الروسي - الصيني - الإيراني . ولكن خسارة حليف هي أخطر بكثير على أية قوة عظمى مترنحة، وعلى أية دولة مهددة في محيطها، من خسارة عدو. ومن هنا يفهم التناقض بين محاربة دول التحالف مع أمريكا للإخوان في مصر ومن دعمهم في سوريا. خاصة عندما تشي توجهات القيادة الانتقالية المصرية بخطر محتمل يتمثل في تقارب ما مع روسيا دولياً - ومع إيران إقليمياً . خطر لا بد من اجتثاثه بالعصا والجزرة.
مقالات للكاتب حياة الحويك العطية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق