في مثل هذا الشهر تماماً، قبل تسعة وأربعين عاماً، أعلن الرئيس الأمريكي ليندون جونسون أن مدمرتين أمريكيتين تعرضتا لهجوم في خليج تونكن . لكن الكثير من الأمريكيين كما الكثير من العرب والمسلمين، لم تمر عليهم الكذبة، بل شكّكوا في أن يكون الهجوم المزعوم قد حدث أصلاً . وبالفعل، حتى هذه اللحظة لم يتوفّر أي دليل يلتقي ولو عن بعد مع مزاعم جونسون . لكن هكذا هم المغرورون دائماً، يعتبرون أنفسهم خارج جدلية الصدق والكذب، وليس على الآخرين سوى تصديقهم . جونسون عيّن نفسه مدّعياً وقاضياً وأمر بهجمات جوية على فيتنام الشمالية .
مرَّ ثمانية عشر شهراً لم تحقق الولايات المتحدة خلالها أية نتيجة لصالحها، لا بالغارات الجوية ولا عبر دعم أدواتها المحلّية، فقررت تدخلاً عسكرياً شاملاً، وبدأت بإرسال الجنود من أبناء الفقراء الأمريكيين حتى قارب عددهم مليون جندي . لكن لم يسمح تفوّق الولايات المتحدة وحلفائها، عدداً وعدة، على ثوار الفيتكونغ وفيتنام الشمالية برغم كثافة القصف وتدمير البشر والشجر والحجر، بكل الأسلحة المحرّمة دولياً .
الآن، وبعد مرور أربعة عقود على نهاية حرب فيتنام، يعتقد البعض أن الحرب تنتهي بمجرد صمت المدافع، ولا يلقى بالاً إلى حقيقة أن هناك ملايين الفيتناميين وآلاف المحاربين الأمريكيين القدامى وأسرهم، يعانون آثار الحرب الكيمياوية التي شنتها الولايات المتحدة في فيتنام . لم تكترث قيادة أمريكا بمستقبل من سينجو من حربها في تلك البلاد، ولكي تمنع الثوار من الاستفادة من كثافة الأشجار كغطاء، ألقت القوات الأمريكية مواد كيمياوية لتعرية الغابات وكشف تحركات الثوار والجنود الفيتناميين .
يجدر بالمهتمين الحقيقيين بحقوق الإنسان والحيوان والنبات، أن يشعروا بالامتنان للكاتبتين الأمريكيتين مارجوري كون وجين مايرر اللتين ذكّرتا الناسين والمتناسين، والجاهلين والمتجاهلين، بأنه في العاشر من أغسطس/ آب هذا العام صادفت الذكرى الثانية والخمسين لبدء الحرب الكيمياوية في فيتنام، وأن العنصر الكيمياوي المعروف باسم العامل البرتقالي يمثّل أحد أكثر التركات خزياً وعاراً للحرب الأمريكية ضد فيتنام، حيث إنه مازال حتى الآن يسمّم الفيتناميين الذين تعرضوا له وأبناءهم الذين يولدون مع تشوهات خلقية، أو مع أمراض أخرى مثل السرطان والسكري والشلل، إضافة إلى عشرات آلاف الجنود الأمريكيين .
برغم مرور كل هذه المدة الزمنية، فإن ثلاثة ملايين فيتنامي لا يزالون يعانون تأثيرات ذلك السلاح الكيمياوي . ولعل نتائج تلك الحرب لا يمكن حصرها، فقبل عشرة أيام من اليوم نقل فيتنامي في الثامنة والثمانين وابنه البالغ اثنين وأربعين عاماً، من أدغال عاشا فيها أربعين عاماً إثر فرارهما من قريتهما خلال حرب فيتنام.
ولأن الولايات المتحدة لم تُعاقَب على جريمة قصفها هيروشيما وناغازاكي بالسلاح النووي، فمن الطبيعي أن تستخدم الأسلحة الكيمياوية والنابالم في فيتنام، وإذ لم تعاقب، فإنها كرّرت أفعالها في العراق، بل وأدخلت، قبل ذلك، الأسلحة الكيمياوية في الحرب العراقية الإيرانية، وهي تحمي مجرمي الحرب الصهاينة وتمنع معاقبة “إسرائيل” على جرائمها ضد العرب . وما دام العالم يسلّم لأمريكا بأنها مرجعية بديلة للشرعية الدولية، فإنها تحشد هذه الأيام لعدوان جديد .
مقالات للكاتب امجد عرار
- انقسام في انقسام- مصر ومثلث بن غوريون
- العودة الى العبث التفاوضي
- ثقافة التطرف والكراهية
- ما في جعبة أوباما
- سجين سمـّوه “X”
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق