متابعة الأحداث في كل بلد عربي تثير اليوم تساؤلات كثيرة عمّا تحقق من بعد العام 2011 وتحديداً مع ثورات واحتجاجات الربيع العربي التي حملت معها حلم الدولة المدنية والحرية التي تحرر المواطن العربي من أنظمة سياسية لا تعترف بالمواطنة ولا بالديمقراطية كأساس لبناء الدولة.
إن المشهد العربي يجر اليوم بعربة واحدة لقوى واحدة ولعقلية سلطوية واحدة لا تريد التغيير الديمقراطي أن يحدث في أي بلد ولهذا فإن كل بلد عربي يعيش حالة مكررة من المشهد العراقي... هذا المشهد الذي حمل ومازال يحمل كمّاً كبيراً من مظاهر التوتر والفرقة والغضب والتدني المستمر في الخدمات وصولاً إلى انعدام حالة الأمن والاستقرار. كل ذلك من أجل عرقلة سير بناء الدولة المدنية التي لا تتبنى العقلية القبلية أو العقلية الدينية. ولو نظرنا إلى المشهد المصري الحالي فهو يبرر القتل بحجة محاربة الإرهاب وهذا واضح في افتتاحيات الصحف المصرية ويبرر عن الإفراج لزعيم فاسد مثل محمد حسني مبارك. يحدث كل ذلك في وقت أثار مثل هذا القرار غضب القوى الثورية في مصر التي رفضت الإفراج عن دكتاتور عجوز ثارت عليه وأطاحته لتتخلص من قبضته الظالمة في ثورة عارمة قبل أكثر من عامين في الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011. إن إخلاء سبيل دكتاتور عجوز في مثل هذا التوقيت الذي تعيشه مصر دفع برئيس الوزراء المصري حازم الببلاوي بصفته نائب الحاكم العسكري بوضع مبارك قيد الإقامة الجبرية لامتصاص غضب الشارع.
تلك مؤشرات باستمرار وجود القوى الواحدة السلطوية التي مازالت تهرول بمزاجها وهي من تقود دفة التخريب والدمار في المنطقة.
ويرجع سبب ذلك في نفوذها المادي الكبير، فهي تعد بناء الدولة المدنية تهديداً لأركان أنظمتها السلطوية وبالتالي فهي تفعل ما تشاء في ظل غياب دور حقيقي للمجتمع الدولي الذي لأول مرة لا يستطيع أن يتخذ موقفاً صريحاً حيال ما يحصل في بلدان المنطقة العربية مثل مصر التي تعيش فوضى سياسية ومن ثم سورية التي تعيش وضعاً إنسانياً خطيراً والآن لبنان الذي يراد العبث به بورقة الطائفية وصولاً إلى البحرين التي مازال ملفها السياسي عالقاً دون حل سياسي جاد. إن تغيير الوجوه من مبارك إلى غيره من «جماعة الإخوان» في المحاكم وإدخال السجن الرئيس المعزول محمد مرسي، جمعيها ممارسات لا تخرج المشهد العربي من أسره من قبل القوى السلطوية التي تقاوم وتناهض التغيير منذ العام 2011.وهو ما عبّرت عنه القيادية بحركة شباب 6 أبريل إنجي حمدي إذ قالت في حديثها إلى قناة دويتشه فيله العربية (24 أغسطس/ آب 2013): «إن خروج مبارك ودخول الرئيس المعزول محمد مرسي إلى السجن ليست إلا عملية تبديل أماكن وأشخاص»، معتبرةً قرار الإفراج بـ «الكارثي» في حق الثورة والشهداء ومبادئها وقالت: «ارتضينا بداية محاكمة مبارك بالقانون... نظراً إلى غياب الأصوات التي تنادي بمحاكمته محاكمة ثورية. وذلك لترسيخ دولة القانون، أمام غياب أسس المحاكم الثورية والخوف من الدخول في دائرة الانتقام».إلا أنها أوضحت أن المحاكم كانت «هزلية» بعد أن أشرف عليها المجلس العسكري لامتصاص غضب الشارع قبل أن يقوم هو ذاته بإخفاء الأدلة. وتقول الناشطة: «الإفراج يقع على عاتق مرسي لأنه وعد بإعادة محاكمة رموز النظام السابق وتقديم أدلة جديدة، لكنه لم يفعل فيما لم يتطرق الإسلاميون في البرلمان الذين كانوا يحظون بالغالبية إلى تشريع قوانين تحمي الثورة بل عقدوا صفقات لتحقيق مصالحهم». كلام الناشطة من حركة شباب 6 أبريل يعكس عدم نضج المشهد السياسي العربي وهو ناجم عن استمرار الممارسات التي ورثتها سياسات الحقب السابقة... ببساطة لقد اختُطفت ثورة الشباب من قبل الجماعات الإسلامية التي لم تعرف كيف تعمل سياسياً داخل صرح الدول ومؤسساتها والآن سقطت هذه المبادئ على يد العسكر الذي أفرج عن مبارك ضارباً بعرض الحائط لكل من سقط من أجل حرية وديمقراطية مصر. ولذا فإن اختلاط الأوراق في المشهد العربي وتردد الموقف الأميركي والأوروبي حيال اتخاذ موقف محدد إزاء ما يحدث يدفع إلى طرح الكثير من الأسئلة وهو كيف سيكون المشهد العربي بعد ستة أشهر من الآن ؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق