الاثنين، 18 مارس 2013

تطبيع الروح


يبدو أن هاجس العلماء والفلاسفة- ومن يستفيد من كشوفاتهم بمخيلته من الكتّاب- قد انتقل من الخوف على مستقبل الإنسانية ،إلى الحذر مما يتهدد الطبيعة الإنسانية من مخاطر ترافقها في تحولاتها الراهنة بفعل التقدم العلمي، فيخشون على مستقبلها لا
على النوع البشري ذاته.ذلك الخوف مبرَّر بمنظور الفلاسفة والإنثروبولوجيين كونه يمس نظرة الجماعة لا الفرد للتحولات التي تشهدها الحياة في حقول التقنية والاختراعات و العلوم لاسيما الهنسة الوراثية وما يتصل بالتعديلات الجينية والتلاعب بالولادات والهيئات البشرية والأشكال الممكنة للحياة الفردية، ما يولد تحولات شعورية وعاطفية تذكّربما أصاب العلاقات الإنسانية بعد ان اختصرت التقنية الاتصالية مسافات الجغرافيا، ولم يعد الحنين مرضا كما كان إذ ينقطع المهاجر عن جذوره بمجرد المغادرة ،فتستولي عليه وعلى من يهمهم أمره مشاعر الفراق الأبدي واليأس من لقائه.ولا شك ان الأجساد التي تتلقى تلك التحولات تعكس على الأرواح كثيرا من ظلالها التي لا تستجيب لها بالسرعة نفسها ،فتظل بها حاجة لملاحقتها والتناغم معها. وهذا أحد أهم مسببات الاغتراب المعاصر بين الانسان وواقعه فضلا عن قلقه على مستقبله.لكن الفيلسوف هابرماس يرى الأمر من زاوية التوافق الروحي الممكن مع ما يحصل من تعديلات وما يترتب من أخلاقيات عقب هذه التطورات الهائلة في الحياة الاجتماعية ،والتعارضات الواردة والمحتملة لها مع الثوابت والموروثات الثقافية، ثم يناقش المقترحات أو(التعديلات القانونية) التي تترتب على هذه التطورات الجينينة وما تشهده الحقول الوراثية من تحولات كان الإنسان يقتنع منها بالقليل، كتحديد النسل مثلا ،والذي ظل موضع خلاف ديني واجتماعي يتعلق بمنع تكوّن او تشكّل هيئة إنسانية ممكنة ،رغم انتقال المجتمعات لمواجهة الإجهاض - كقتل لهيئة مشخّصة ومتشكّلة للجنين –والتلاعب بالمزايا الوراثية وما يلي ذلك من عوامل الذكاء .تلك الاستطرادات اتاحتها قراءة كتاب هابرماس(مستقبل الطبيعة الإنسانية)- دار كلمة-ترجمة الدكتور جورج كتوره – واعترافه في المدخل بأن الفلسفة بعد الميتافيزيقيا لم يعد لديها ما تقول جوابا على أسئلة الإنسان المعاصر من شاكلة(ما ذا عليّ أن أفعل بالزمن الذي احياه؟) ولكن مهمة الإنسان في هذه الثورة التقنية والهبّة المعلوماتية هي (تطبيع الروح) بعبارة هابرماس بعد انتزاع الصورة الاجتماعية كلياعن فهمنا لذواتنا.هذه الروح تقدر أن تجد الجواب المناسب ليكون إيقاع الإنسان موازيا لما يتهاوى في رياح الثورات التقنية الهائلة وتكاثر البشرغير المندرجين في فهم الجماعة للذات وتصنيفها لهم.وتهمني في هذه الجزئية معاينة مهمة الثقافة والأدب لتمارس الروح الدور الأخلاقي الممثل لحماية البشر من الغياب في العماء الفكري والانحباس في التطور المادي الذي تقترحه العلوم الحديثة.دور للخيال فيه مهمة أساسية تنتشل الإنسان من ذلك التذويب للذات والانفكاك عن الجماعة. سيتأثر الوجود الجسدي دون شك بالتعديلات الجينية ،ولن تكون الولادة نقطة الانطلاق القادرة على إعطاء ذواتنا الفاعلة الوعيَ بقدرتنا على خلق بدايات جديدة لحياتنا وذواتنا. معضلة تستبق ما هو في الطريق من ثورات نغفل عنها وهي تجتاح عالمنا المستباح ..
مقالات للكاتب د. حاتم الصكر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق