الاثنين، 1 أبريل 2013

القراءة الخاطئة


يشكو القصاصون غالبا والشعراء أحياناً من"القراءة الخاطئة" لنصوصهم أو سوء فهم مقاصدها .وعند البحث عن جذور المصطلح والمفهوم نراه قد تعرض مثل كثير سواه لتعميم وتسطيح، كما نقله التداول إلى دلالات ليست من حيّزه؛ فكانت قراءات مغلوطة له، كاستخدام الفهم الخاطئ في التداول اليومي غربيا، للتعبير عن عدم التواصل بين مرسِل ومستقبِل في حوار عادي.
لكن دارسي المفكر بول ديمان ومفكّكي خطابه التفكيكييرون انه يفرق بين قراءة مغلوطة وأخرى خاطئة - لعلها تلك التي كرّس لها هارولد بلوم كتابا كاملا هو " خريطة للقراءة الضالةّ" ترجمه للعربية الشاعر عابد اسماعيل). وضمن "قراءة الغلط" تقع التفسيرات والتأويلات القاصرة عن فهم الدوال، أو الابتعاد عن مدلولاتها لأسباب في مقدمتها العجز اللغوي ، لكون النصوص-الشعرية خاصة- تستخدم اللغة بخصوصية تقربها من الغموض بفعل السياق الشعري وفضاء المجاز والصور والخيال في عملية الكتابة الشعرية، وأذكر هنا أن أكاديميا متعصبا للقديم دوّن لطلابه نقدا ساخرا للسياب، متهما إياه بأنه تنكّر لرمزه الأثير ويعني المسيح ؛ لأنه قرأ بيتيْ السياب في مطولته " بورسعيد" قراءة مغلوطة تستجيب لتقطيع البيت الشعري لا استمرارية المعنى. فقول السياب( ليت المسيح الذي داجى بشرعته/ مَن باع مثواه، راءٍ فيك عن كثبِ/ خُرسٌ نواقيسك الثكلى ، وداميةٌ/ فيك الأناجيل، والموتى بلا صلبِ) فهمه الأستاذ واتهاما بمداجاة المسيح للشريعة التي أتى بها ، غافلا عن الفاعل (من باع) وخبرليت (راءٍ) وهو غلط سببته اللغة والتقطيع الشطري للبيت دون ملاحقة المعنى المدور في الشطر التالي ، أولغياب علامات الترقيم عن القصائد إن شئنا تلمس عذر لغلط القراءة .
وفي ندوات نقدية متخصصة جرى النقاش حول قرابة مصطلح عبدالقاهر الجرجاني " معنى المعنى" وعنوان كتاب ريتشاردز"معنى المعنى" وبين المصطلحين فرق، حيث يتحدث الجرجاني عن العبارة وما تحمله من معان ثوان لا تظهر بداية، رغم أنها هي المقصودة في النظم، يتركز كتاب ريتشاردز حول دور المعنى في بناء النص، واتجاه التراكيب اللغوية صوب إبرازه، وأهميته في النظرية النقدية.
ثمة أمثلة أخرى سوّقتها القراءات المدرسية المغلوطة ،كتفسير بيت المتنبي ( لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى/ حتى يراق على جوانبه الدمُ) بأنه حديث عن الشرف بمعناه الاخلاقي، الذي ضيقته المفاهيم الاجتماعية المتخلفة وحصرته في دوال خاصة في مقدمتها المرأة ،بينما قصد المتنبي بالشرف علو النسب والمكانة ، بدليل وصفه له بالرفعة. وكذلك قوله(إذا أنتَ أكرمت الكريم ملكته/ وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا) المفسر سطحيا بنسبة الكرم إلى الميزة الأخلاقية –ضد البخل- فيما عنى المتنبي من كرمت طباعه وتهذبت.
ولو تعقبنا أغلاط المؤولين لرأينا مفارقات غريبة ؛ فقد ابتعدت جنة عدْن عما تعني من دلالة على بساتين خالدة الثمار، باعتبار كلمة عدْن تعني الإقامة في المكان، وليس نسبة للمدينة التي لم ير رامبو في جوّها إلا حمماً تقربه من الجحيم.
مقالات للكاتب د. حاتم الصكر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق