الأحد، 21 يوليو 2013

العودة الى العبث التفاوضي

في الحملة الانتخابية “الإسرائيلية” العام ،1996 وكانت المنافسة بين بنيامين نتنياهو وشمعون بيريز، شن نتنياهو هجوماً عنيفاً على حزب “العمل” الذي وقّع اتفاق “أوسلو” مع الجانب الفلسطيني، معتبراً أن فيه “تنازلات” للفلسطينيين . وكان مما قاله في تلك الحملة، إن العرب لديهم القابلية للسير باتجاه “إسرائيل” حيث تقف، فلماذا علينا أن نسير باتجاههم؟ . . من يتابع مسار الصراع العربي الصهيوني يجد الأرضية التاريخية لكلام نتنياهو.
حين ذهبت القيادة الفلسطينية إلى محفل مدريد سنة ،1991 لم تكن الظروف في ذلك الوقت لمصلحة الجانب الفلسطيني الذي أورد لتفسير قراره بالذهاب إلى مدريد سلسلة عوامل كلها يجب أن تدفع إلى عدم الذهاب. هذا مما يقال فيه عادة إنها مقدمات صحيحة لاستنتاجات خاطئة. فعندما تكون موازين القوى على الأرض لمصلحة طرف ما، تكون نتيجة المفاوضات لمصلحته بالضرورة، أي أن ما يجري في الميدان ينعكس على الطاولة. في العمل الدبلوماسي المشروع، يمكن التغلّب على الاختلال بموازين القوى في حالة واحدة هي وجود توازن دولي يحيّد موازين القوى بين طرفي التفاوض. محفل “مدريد” لم يستند إلى الشرعية الدولية، بل كان الشرط “الإسرائيلي” أن يحضر مندوب الأمم المتحدة مؤتمر مدريد ك”مراقب”، أي أخرس لا يجوز له الكلام، وهذا ما كان لها.
إذاً، “مدريد” كان نقطة انطلاق لعملية تسوية بلا أفق، وبالأساس كان ذلك الحدث الذي أخرج بشكل إعلامي لافت، غطاء لمفاوضات مباشرة تدور في حلقة مفرغة . هذا الكلام كان في ذلك الوقت مثاراً لجدل كبير في الساحة الفلسطينية، وعندما عاد أعضاء وفد “مدريد”، خرجوا في جولات وشرحوا للفلسطينيين في القرى والأرياف والمدن، ما قاموا به و”الانتصارات” التي تحققت هناك، وكان من بينها أن عدد المصفقين لكلمة المرحوم حيدر عبدالشافي، رئيس الوفد، أكثر من عدد المصفقين لكلمة إسحاق شامير الذي كان رئيس الوفد “الإسرائيلي”، والذي لم يتردد في الزعم بأن القدس الموحّدة “عاصمة للشعب اليهودي منذ خمسة آلاف عام” .
كان واضحاً أن لقاءات ما بعد محفل مدريد شكّلت غطاء وجذباً للأنظار عن لقاءات سرية شهدتها النرويج وأفضت إلى ما عرف بـ “اتفاق أوسلو” الذي أوهم الفلسطينيين، من دون أن ينص على أن المرحلة النهائية، أي خمس سنين منذ التوقيع، ستنتهي إلى دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس. لكن خلال السنوات الخمس لم يتوقّف الاستيطان، واستمر تهويد القدس وهدم منازل المقدسيين، وتواصلت عمليات القتل والاعتقال وتقييد تنقّل الفلسطينيين بمئات الحواجز.
الآن، وبعد ثلاثة وعشرين عاماً من الفشل، يعود الجانب الفلسطيني إلى المفاوضات في ظل تصعيد غير مسبوق في الاستيطان وتهويد القدس. وما يتردد عن اعتزام “إسرائيل” إطلاق سراح عدد من الأسرى، ليس سوى رشوة لتمرير قرار العودة إلى المفاوضات. كان على الجانب الفلسطيني قبل أن يتجاوب مع جهود وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، أن يسأل نفسه إن كان حصل أي تغيير في الظروف التي قادت إلى فشل التسوية، ما يمكن أن يخلق أوهاماً جديدة .
ما دام أن الظروف لم تتغيّر، فإن أمريكا لا تريد من هذه المفاوضات سوى الغطاء على مخططاتها التخريبية في المنطقة وفي بعض الدول العربية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق