الأحد، 28 يوليو 2013

مصر على طريق الدماء

بدأ الشعب العربي صباحه أمس بخبر إقدام الجيش المصري على قتل 70 مواطناً مصرياً، وجرح 4500 آخرين من أنصار الرئيس المخلوع محمد مرسي، كانوا معتصمين أمام جامع رابعة العدوية.
من المحزن أن هذا الجيش العربي الذي خاض حرب أكتوبر 1973 في فجر الخامس من رمضان، وأعاد للعرب جزءًا من كرامتهم التي أهدرها الاسرائيليون، يتورط اليوم داخلياً في صراع سياسي، في ظل مجتمع منقسم على نفسه، بين تأييد الرئيس المخلوع محمد مرسي ومعارضيه. ومحزنٌ أن يرتكب هذا الجيش مثل هذه المجزرة بحقّ معتصمين سلميين، فجر يوم الثامن عشر من رمضان المبارك (2013)، بما يهدّد بإطلاق حرب أهلية ستغرق مصر في الدم.
السيناريو الدامي تكرّر في عددٍ ممّا عرف ببلدان «الربيع العربي»، من حيث استدراج المعارضة أو فصائل منها، إلى مستنقع العنف لضربها والإجهاز عليها، بعد شقّ الصف الوطني واستعداء بعضه ضد بعض، ليتحول الحراك الربيعي إلى اقتتال أهلي، بعد أن تنحرف البوصلة عن الأهداف الكبرى للشعوب العربية، التي رفعت شعارات الحرية والكرامة والعيش الكريم.
وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي الذي يُخشى أن يتحوّل إلى فرعون جديد، ركب موجة الاحتجاجات الشعبية السلمية وقاد انقلاباً أطاح بحكم الأخوان. وقد دعا المصريين لتفويضه صكاً على بياض لقمع معارضيه من أنصار الأخوان في الشارع، واستبق ذلك بقتل 53 شخصاً مطلع الشهر الكريم، وكان آخر ضحاياه قتل ثلاث سيدات مصريات في المنصورة قبل أسبوع.
لاشك أن تجربة حكم الأخوان المسلمين القصيرة في مصر كانت مريرة، وارتكبوا أخطاء قاتلة كثيرة، في سياستهم الداخلية والخارجية، إلا أن استباحتهم بهذه الصورة، واستحلال دمائهم، ومحاولة إخراجهم من الصورة نهائياً، لن يفيد الحكم الائتلافي الحالي بشقيه المدني والعسكري. ومن المؤكد أن هذه المعالجة الأمنية العنيفة لن تنهي دور الأخوان السياسي، وإنّما ستدخل مصر في حلقةٍ مفرغةٍ من الفراغ والصراع الذي لا ينتهي، بين القيادات السياسية الفاشلة والتيارات الحزبية المتناحرة. شاهدنا ذلك في أفغانستان ونشاهده اليوم في العراق وليبيا... ونتمنّى ألا تكون تونس أيضاً في بداية طريق العبث والانتحار.
التقارير الخبرية تكشف المنحى العنيف الذي يمكن أن يسلكه العسكر الحاكم في مصر، بما يهدّد بإعادة السيناريو الجزائري. وفي أحد التقارير ذكرت طبيبة مصرية أن «معظم القتلى أصيبوا في الرأس والبعض بين العينين»، وذكر البعض أن «الشرطة بدأت بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع على المحتجين، ثم بدأ الرصاص الحي يتطاير، حيث أطلق القناصة النار من على أسطح المباني القريبة». كانت هناك نيّةٌ مبيّتةٌ للقتل، بما لا يتفق مع مقولة «جيش مصر العظيم». وتم ذلك بعد يوم واحد من تصريح وزير الداخلية بشأن خطة «فض اعتصامين لجماعة الإخوان المسلمين قريباً في إطار قانوني»!
لاشك أن الأخوان أخطأوا وتخبّطوا وسقطوا في زمنٍ قياسي، إلا أن خلفاءهم –عسكراً ومدنيين- تكشّفوا حتى الآن عن أخطاء لا تقل عنهم فظاعة وتحكماً واستبداداً. وإذا كان حسني مبارك اختتم حكمه بموقعة الجمل، فإن العسكر العائد إلى الحكم بقوة، يريد أن يستهل حكمه بمجازر دموية متنقلة على طريقة الصدمة والترويع. حما الله مصر وأنقذها من مستنقع الدم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق