في العديد من بلدان العالم هناك تقليد وعرف تلزم به نفسها معظم المؤسسات الاعلامية، وهو منع عرض الصور والمشاهد المتضمنة للدماء او جثث الموتى نهائيا وإن ارادت ان تعرض شيئا منها فلا تعرضه الا بعد العاشرة ليلا، وذلك من اجل الحفاظ على كرامة الضحايا وعدم التشهير بهم، وعرض ملامحهم بشكل غير لائق، ومراعاة ايضا لمشاعر اهالي الضحايا، والاهم من ذلك عدم كسر الحواجز النفسية حينما يتعلق الموضوع بمناظر بشعة ومؤلمة من هذا القبيل، خصوصا بالنسبة للأطفال، هذا التقليد إضافة الى سياقات اخرى للعمل لا تفرض من قبل الجهات الرسمية لكن مع ذلك فان المؤسسات الاعلامية تلتزم بها انطلاقا من مبدأ المسؤولية. نعم قد تكون المطالبة بشيء من ذلك في بلد مثل العراق وفي مؤسسات اعلامية لا تعير كثيرا اهمية لضوابط المهنة او السياقات الاخرى المطلوبة في النشاط الاعلامي يعد ضربا من الخيال، لكن هذا لا يمنع ان نصرخ جميعا بصوت مرتفع تجاه حجم المناظر البشعة التي تقدم كوجبات دسمة للمشاهد!، مناظر الجثث وصور القتلى ليست ملهاة بيد هذا او ذاك، والتوظيف السياسي ايضا لابد ان تكون له حدود، واذا تركت الامور تسير بهذا الشكل فسوف تكون النتائج مخيفة جدا، واذا ما كانت وسائل الاعلام تفعل ذلك بدوافع التحريض السياسي مرة واللامبالاة مرات اخرى فلماذا تنتقل تلك الظاهرة البشعة الى صفحات الفيسبوك الذي اصبح وسيلة اعلامية فاعلة واداة للتواصل الاجتماعي؟! لماذا نشجع على ذلك؟ لقد اصيب الفيسبوك هو الاخر بتلك العدوى وبإفراط اكثر مما تعانيه وسائل الاعلام ! اصبحت مشاهد الرؤوس المقطعة والجثث الممزقة مشهدا يتلذذ به العديد من الفيسبوكيين، ليس الخوف على الاطفال والصبية ما يدفع للحد من تلك الظاهرة المؤسفة بل المزاج الاجتماعي العام ينبغي ان يكون له موقف، لا نريد ان نتعاطى البشاعة بهذا الشكل تحت ذريعة لعنة المنفّذين والمسببين فيها، ان جعل الفيسبوك معرضا للجثث بهذا الشكل، ربما يضعنا في خانة المتسببين بتلك المجازر، انهم ارادوا قتل الانسان وافشاء ثقافة العنف، ونحن نساهم بطريقة او باخرى بانتشار تلك الثقافة. الجميع يعرف ان هناك تفجيرات والكل يعرف ان هناك ضحايا والكل يعرف هناك بشاعة لا توصف، لكم الفيسبوك يا سادتي عرضا وطولا امتدحوا من تحبون وانتقموا ممن تكرهون ولو بالتجريح ولو بالضرب تحت الحزام ولو بالنقد البناء وغير البناء، لكن ارحمونا وارحموا العابرين على الفيسبوك من هذه الصور البشعة، ارحموا الموتى ولا تشهّروا بجثثهم هكذا على الفيسبوك، الفيسبوك بضاعة للجميع وليس من السهل ان يكون معرضا للجثث بهذا الشكل، جثث متناثرة، رؤوس مقطوعة، اشلاء ممزقة،، أتشعرون ان تلك مشاهد تطيّب الخواطر ؟! انها تزرع في الناس ثقافة الاعتياد على مشاهد الضحايا وفي العراق مسيرات من القتلى لاتعد ولا تحصى فلا تزيدوا الطين بلة.
مقالات للكاتب جمال الخرسان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق