الاثنين، 13 مايو 2013

ليبيا والعنف الداخلي


ما زالت هناك مجموعات مسلحة في ليبيا، تستخدم العنف من أجل تحقيق بعض مطالبها السياسية؛ بعضها يتعلق بإقرار تشريعات تضمن إبعاد كل من عمل في نظام القذافي المخلوع عن المشاركة في العملية السياسية، وتضمن عدم تسلمه أي موقع سياسي، وقد تمت الاستجابة لهذا المطلب، وتم إقرار قانون العزل السياسي، الذي نص على حرمان كل من عمل في موقع سياسي مهم في النظام السابق، ولكن ما زالت هذه المجموعات تمارس الحصار المسلح على بعض الوزارات.
بعض هذه المجموعات تمارس تنفيذ أعمال مسلحة ضد بعض السفارات الأجنبية، وتحاول تنفيذ محاولات اغتيال بعض الشخصيات السياسية، وهناك بعض الاشتباكات المسلحة في بعض المناطق الحدودية الواسعة، التي تشهد تراخياً في بسط سلطة الجيش النظامي عليها.
كانت الآمال العربية منعقدة بأن تبدأ مرحلة البناء والاعمار في ليبيا بمشاركة جميع الليبيين بلا استثناء، بعد ذهاب مرحلة الاستبداد السياسي المظلم، التي كانت مصحوبة بالظلم والقمع وكبت حرية الشعب الليبي ومصادرة إرادته، وتبديد ثرواته ومقدراته، وتعطيل طاقات شبابه، وتهجير عقوله وكفاءاته، والتي أدت الى تأخر دولة ليبيا وتأخر نهوضها عقودا طوالا، وتأخر لحوقها بالمجتمعات المتقدمة في ظل امتلاكها ثروة نفطية هائلة قادرة على تحويل ليبيا الى دولة راقية ومتحضرة، توفر لأبنائها كل مقومات الاستقرار والرفاه.
لقد شهدت ليبيا أول انتخابات تشريعية عامة أسفرت عن انتخاب مجلس وطني تشريعي، يتولى إدارة ليبيا في هذه المرحلة الانتقالية التي أسفرت عن اختيار حكومة شرعية تحظى بثقة المجلس، من أجل المباشرة في صياغة الدستور والتشريعات الأساسية المطلوبة، إضافة الى وضع خطة شاملة لبناء ليبيا الحديثة والمتطورة.
الآن حان وقت العمل أمام الشباب الليبي، وكل الذين حملوا السلاح وانخرطوا في ثورة تحرير الشعب الليبي من الطاغية، عليهم أن يتخلوا في هذا الوقت عن السلاح طوعاً، وأن يقودوا عملية مشاركة شعبية عارمة تشرع في البناء والتنمية والإعمار، وأن يتم تجميع كل الجهود الوطنية، والاستثمار في كل العقول الشبابية الواعدة، والاستفادة من كل التجارب الناجحة على مستوى العالم، التي استطاعت اختصار الوقت وتحقيق عملية نهوض سريعة وناجزة وباهرة.
يجب التخلي عن كل أشكال العنف الداخلي، ويجب وقف استعمال القوة والسلاح في الحوارات الفكرية والسياسية، لأن من يسمح لنفسه باستخدام السلاح والقوة، من أجل فرض آرائه الفكرية والسياسية، فهو سماح بانتشار السلاح واستخدام العنف والقوة لدى الجماعات الأخرى بشكل غير منضبط وبلا نهاية منظورة، بعد أن وضعت الحرب الداخلية أوزارها، واستعاد الشعب الليبي حريته وإرادته المسلوبة، واستطاع إيجاد حكومته المنتخبة بطريقة شعبية حرة ونزيهة. المعركة الحقيقية التي ينبغي أن ينشغل فيها الليبيون جميعاً هي معركة البناء والإعمار الداخلي، ومعركة بناء المجتمع الليبي الموحّد، الذي يستخدم لغة الحوار الفكري والجدال السلمي الحضاري الذي يسهم في عملية النهوض الليبي بسواعد ليبية وعقول ليبية ومقدرات ليبية بعيدا عن قعقعة السلاح ولغة الدم والانزلاق نحو الفوضى. الحكومة الليبية الجديدة معنية بإيجاد الأطر الوطنية الواسعة القادرة على استيعاب الشباب واستثمار طاقاتهم، ويجب عليها الشروع في بناء الجيش الليبي الوطني الذي يحتكر امتلاك القوة المسلحة ويحتكر الحق في استخدامها من خلال سلطة مركزية، والذي ينبغي أن يتسع لكل مجموعات الشباب التي حملت السلاح ومارست العمل الثوري في المرحلة السابقة، وأن تبادر الى بلورة المشروع الوطني الليبي الذي يحتاج الى مضاعفة الجهود، وعدم ضياع الوقت في الصراعات الداخلية التي لا تنقضي.
الاسلاميون على وجه الخصوص يتحملون القسط الأوفر من المسؤولية في عملية استيعاب الروح الثورية الاسلامية لدى الشباب وترشيدها وتأطيرها ضمن أطر تثقيف وتوعية، تحرّم الاقتتال الداخلي وتحرم استخدام العنف في فرض الآراء السياسية والفكرية، وأن يستثمروا في أجواء الحريّة من خلال الكسب الجماهيري القائم على المحاججة الفكرية والحراك الثقافي والتسامح الديني والمذهبي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق