الأربعاء، 18 يوليو 2012

هل قرأتم التاريخ عندما اعتقلتم النمر ؟!

لم يكن السجن يوماً أو الاغتيال عائقا لأي حراك أو ثورة على مر التاريخ، لو قرأ الطغاة والجبابرة التاريخ جيداً لتمعنوا أن أساليبهم متقاربة لبعضها وأنها لم ولن تنجح أبداً. فمعظم المناضلين في العالم تعرضوا للسجن، بل إن منظرين النضال في عصرنا الحديث قد خطوا دساتير النضال من داخل سجونهم، وغالبهم كان نصره قد كتب في اللحظة الأولى التي أقدمت فيها تلك السلطات على سجنه أو اغتياله. الصمود والسلمية.. ينتج شعب لا تهان كرامته: عام 1930 قاد غاندي مئات من اتباعه سيرا على الأقدام في « المسيرة الى البحر» (200 ميل) ، حيث قاموا باستخراج الملح من مياه البحر احتجاجا على قانون أصدرته الحكومة وقضى بمعاقبة كل شخص يوجد بحوزته ملح غير مباع عبر الحكومة . خلال الحرب العالمية الثانية تابع غاندي نضاله اللاعنفي من اجل تحرير الهند بقيادة أعمال العصيان المدني ضد كل قرار اعتبره جائرا بحق الشعب. وقد سجن لآخر مرة في عام 1942. وبلغ مجموع المدد التي قضاها في السجن لأسباب سياسية سبع سنوات. وكان يقول «انه من الفخر ان يذهب الإنسان إلى السجن من اجل قضية محقة». في عام 1947م منحت بريطانيا الهند الاستقلال بعد سنوات طوال من النضال الوطني بقيادة المهاتما غاندي. طال الزمان أو قصر الشعب لا بد أن ينتصر: وقبل عامين احتفلت جنوب افريقيا بالذكرى العشرين لخروج نيلسون مانديلا من سجنه، حيث حكم عليه بالسجن مدى الحياة (المؤبد) بتهمة التخطيط لعمل مسلح، وخلال سنوات سجنه السبعة وعشرين، أصبح النداء بتحرير مانديلا من السجن رمزا لرفض سياسة التمييز العنصري. وفي 10 حزيران 1980 تم نشر رسالة استطاع مانديلا إرسالها للمجلس الإفريقي القومي قال فيها: «إتحدوا! وجهزوا! وحاربوا! إذ ما بين سندان التحرك الشعبي، ومطرقة المقاومة المسلحة، سنسحق الفصل العنصري»، في عام 1985 عرض على مانديلا إطلاق السراح مقابل إعلان وقف المقاومة المسلحة، الا أنه رفض العرض . وبقي في السجن حتى 11 فبراير 1990 عندما أثمرت مثابرة المجلس الإفريقي القومي، والضغوطات الدولة عن إطلاق سراحه بأمر من رئيس الجمهورية فريدريك دكلارك الذي أعلن إيقاف الحظر الذي كان مفروضا على المجلس الإفريقي . وقد حصل نيلسون مانديلا مع الرئيس فريدريك دكلارك في عام 1993 على جائزة نوبل للسلام. ونجح في الوصول الى سدة الحكم عبر انتخابات ديمقراطية، فكان أول رئيس اسود في جنوب القارة السمراء. رسالة مارتن لوثر من سجن برمنغهام: قضى الدكتور مارتن لوثر كينج تسعة أيام في سجن برمنغهام، تلك المدينة التي كان اسمها يجلب صورة التمييز والفصل العنصري، وقلب صورة الدم وخراطيش الماء والاعتقالات التعسفية بحق السود، إلى صورة النضال من أجل العدالة والحرية، فعل ذلك من خلال رسالة كتبها رداً على ثمانية رجال دين بيض شجبوا في صحيفة برمنغهام نيوز احتجاج الدكتور مارتن لوثر السلمي مطالبين بوقف التظاهرات المطالبة بإلغاء قوانين الفصل بين السود والبيض في النضد الطويلة، رسالة مارتن لوثر كينج والتي قال فيها «هناك نوعان من القوانين: العادلة والجائرة. وتقع على عاتق كل امرئ مسؤولية أخلاقية بعصيان القوانين الجائرة». أصبحت رسالته بدورها مصدراً يستمد جيلا جديدا من المضطهدين في العالم الشجاعة والإلهام منه. فقد كان الفصل العرقي وسياسة التمييز العنصري مدعومين بقوانين واضحة الجور والظلم، لأنها تشوه الروح وتؤذي النفس. وكان علاج الدكتور مارتن لوثر كينج لذلك: عمل مباشر لاعنفي، الوسيلة الوحيدة المشروعة دينياً لإظهار الظلم الفاضح للعيان بحيث يصبح من الممكن رؤيته ومعالجة أمره. وبرغم أن الدكتور مارتن لوثر كينج اغتيل بعد هذه الرسالة الأسطورية بخمس سنوات في مدينة ممفيس، كانت فلسفته قد انتصرت وسحقت قوانين جيم كرو العنصرية. وانتهى الأمر بأن تُرجمت «رسالة من سجن مدينة برمنغهام» إلى أكثر من 40 لغة لتكون سفر للمضطهدين و المظلومين. هل قرأتم التاريخ؟! وأمام كل هذه الشواهد التاريخية الكبيرة، نرى اليوم السلطات في بلادنا تقدم على اعتقال سماحة آية الله الفقيه الشيخ نمر باقر النمر والذي يمثل رمزاً دينياً وسياسياً واجتماعيا كبيرا في منطقة القطيف وسائر العالم الشيعي، والذي فجر باعتقاله بركان غضب شعبيا كان هادئاً منذ مدة، ونتج عن محاولة اغتياله مسيرات واحتجاجات ضخمة أدت لاستشهاد حتى إعداد هذه المقالة ثلاثة شبان هم من خيرة أبناء مجتمعنا؛ سبقهم لعرس الشهادة ثمانية آخرين. ورسالتي من خلال هذه المقالة هي أن السلطة تقرأ التاريخ بطريقة خاطئة، إن مواصلة التعنت في تلبية مطالب المواطنين، بالإضافة لاستفزاز مشاعرهم عبر اعتقال رموزهم الدينية، والتعدي على حرمة الحوزة العلمية الشريفة عبر محاولة اغتيال آية الله النمر، وتلفيق التهم عليه، يؤدي بلا شك لتعقيد المشكلة وتعميقها، وأن الحل لا يكون إلا عن طريق تلبية مطالب المواطنين والإفراج عن المعتقلين السنة والشيعة وعلى رأسهم سماحة آية الله الشيخ نمر باقر النمر ومحاسبة المتورطين في سفك دماء أهلنا وأخوتنا في القطيف الجريحة، بدل الهروب من لب المشكلة عبر اتخاذ أساليب قمعية غايتها إسكات صوت المجاهرين بالمطالبة بالحقوق المدنية التي كفلتها الشرائع السماوية والقوانين الدولية.
مقالات للكاتب منتظر الشيخ احمد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق